@ 175 @ كذلك لأن هذا الذي صورته صورة الاستفهام ليس معناه الخبر لأنه مقدر بالمفرد إما مبتدأ وخبره سواء أو العكس ، أو فاعل سواء لكون سواء وحده خبراً لأن ، وعلى هذه التقادير كلها ليس معناه معنى الخبر وإنما سواء ، وما بعده إذا كان خبراً أو مبتدأ معناه الخبر . ولغة تميم تخفيف الهمزتين في نحو أأنذرتهم ، وبه قرأ الكوفيون ، وابن ذكوان ، وهو الأصل . وأهل الحجاز لا يرون الجمع بينهما طلباً للتخفيف ، فقرأ الحرميان ، وأبو عمرو ، وهشام : بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، إلا أن أبا عمرو ، وقالون ، وإسماعيل بن جعفر ، عن نافع ، وهشام ، يدخلون بينهما ألفاً ، وابن كثير لا يدخل . وروي تحقيقاً عن هشام وإدخال ألف بينهما ، وهي قراءة ابن عباس ، وابن أبي إسحاق . وروي عن ورش ، كابن كثير ، وكقالون وإبدال الهمزة الثانية ألفاً فيلتقي ساكنان على غير حدهما عند البصريين ، وقد أنكر هذه القراءة الزمخشري ، وزعم أن ذلك لحن وخروج عن كلام العرب من وجهين : أحدهما : الجمع بين ساكنين على غير حده . الثاني : إن طريق تخفيف الهمزة المتحركة المفتوح ما قبلها هو بالتسهيل بين بين لا بالقلب ألفاً ، لأن ذلك هو طريق الهمزة الساكنة ، وما قاله هو مذهب البصريين ، وقد أجاز الكوفيون الجمع بين الساكنين على غير الحد الذي أجازه البصريون . وقراءة ورش صحيحة النقل لا تدفع باختيار المذاهب ولكن عادة هذا الرجل إساءة الأدب على أهل الأداء ونقلة لقرآن . .
وقرأ الزهري ، وابن محيصن : أنذرتهم بهمزة واحدة ، حذف الهمزة الأولى لدلالة المعنى عليها ، ولأجل ثبوت ما عادلها وهو أم ، وقرأ أبي أيضا بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الميم ، والمفعول الثاني لأنذر محذوف لدلالة المعنى عليه ، التقدير أأنذرتهم العذاب على كفرهم أم لم تنذرهموه ؟ وفائدة الإنذار مع تساويه مع العدم أنه قاطع لحجتهم ، وأنهم قد دعوا فلم يؤمنوا ، ولئلا يقولوا ربنا لولا أرسلت ، وأن فيه تكثير الأجر بمعاناة من لا قبول له للإيمان ومقاساته ، وإن في ذلك عموم إنذاره لأنه أرسل للخلق كافة . وهل قوله : لا يؤمنون خبر عنهم أو حكم عليهم أو ذم لهم أو دعاء عليهم ؟ أقوال ، وظاهر قوله تعالى : { خَتَمَ اللَّهُ } أنه إخبار من الله تعالى بختمه وحمله بعضهم على أنه دعاء عليهم ، وكنى بالختم على القلوب عن كونها لا تقبل شيئاً من الحق ولا تعيه لإعراضها عنه ، فاستعار الشيء المحسوس والشيء المعقول ، أو مثل القلب بالوعاء الذي ختم عليه صوناً لما فيه ومنعاً لغيره من الدخول إليه . والأول : مجاز الاستعارة ، والثاني : مجاز التمثيل . ونقل عمن مضى أن الختم حقيقة وهو انضمام القلب وانكماشه ، قال مجاهد : إذا أذنبت ضم من القلب هكذا ، وضم مجاهد الخنصر ، ثم إذا أذنبت ضم هكذا ، وضم البنصر ، ثم هكذا إلى الإبهام ، وهذا هو الختم والطبع والرين . وقيل : الختم سمة تكون فيهم تعرفهم الملائكة بها من المؤمنين . وقيل : حفظ ما في قلوبهم من الكفر ليجازيهم . وقيل : الشهادة على قلوبهم بما فيها من الكفر ونسبة الختم إلى الله تعالى بأي معنى فسر إسناد صحيح ، إذ هو إسناد إلى الفاعل الحقيقي ، إذ الله تعالى خالق كل شيء . .
وقد تأول الزمخشري وغيره من المعتزلة هذا الإسناد ، إذ مذهبهم أن الله تعالى لا يخلق الكفر ولا يمنع من قبول الحق والوصول إليه ، إذ ذاك قبيح والله تعالى يتعالى عن فعل القبيح ، وذكر أنواعاً من التأويل عشرة ، ملخصها : الأول : أن الختم كنى به عن الوصف الذي صار كالخلقي وكأنهم جبلوا عليه وصار كان الله هو الذي فعل بهم .