@ 498 @ قصصاً كثيراً ، تتضمن : أن الملائكة تعجبت من بني آدم في مخالفتهم ما أمر الله به ، وأن الله تعالى بكتهم ، بأن قال لهم : اختاروا ملكين للهبوط إلى الأرض ، فاختاروا هاروت وماروت ، وركب فيهما الشهوة ، فحكما بين الناس ، وافتتنا بامرأة ، تسمى بالعربية الزهرة ، وبالفارسية ميذخت ، فطلباها وامتنعت ، إلا أن يعبدا صنماً ، ويشربا الخمر ويقتلا . فخافا على مرهما ، فعلماها ما تصعد به إلى السماء وما تنزل به ، فصعدت ونسيت ما تنزل به ، فمسخت . وأنهما تشفعا بإدريس إلى الله تعالى ، فخيرهما في عذاب الدنيا والآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ، فهما ببابل يعذبان . وذكروا في كيفية عذابهما اختلافاً . وهذا كله لا يصح منه شيء . والملائكة معصومون ، { لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ، { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } ، { يُسَبّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } . ولا يصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كان يلعن الزهرة ولا ابن عمر . وقيل : سبب إنزال الملكين : أن السحرة كثروا في ذلك الزمان ، وادعوا النبوّة ، وتحدّوا الناس بالسخر . فجاء ليعلما الناس السحر ، فيتمكنوا من معاوضة السحر ، فيتبين كذبهم في دعواهم النبوّة ، أو لأن المعجزة والسحر ماهيتان متباينتان ، ويعرض بينهما الالتباس . فجاء الإيضاح الماهيتين ، أو لأن السحر الذي يوقع التفرقة بين أعداء الله وأوليائه كان مباحاً ، أو مندوباً ، فبعثا لذلك ، ثم استعمله القوم في التفرقة بين أولياء الله . أو لأن الجن كان عندهم من أنواع السحر ما لم تقدر البشر على مثله ، فأنزلا بذلك لأجل المعارضة . وقيل : أنزلا على إدريس ، لأن الملائكة لا يكونون رسلاً لكافة الناس ، ولا بد من رسول من البشر . .
{ بِبَابِلَ } : قال ابن مسعود : هي في سواد الكوفة . وقال قتادة : هي من نصيبين إلى رأس العين . وقيل : هي جبل دماوند . وقيل : هي بالمغرب . وقيل : في أرض غير معلومة ، فيها هاروت وماروت ، وسميت ببابل ، قال الخليل : لتبلبل الألسنة حين أراد الله أن يخالف بينها ، أتت ريح فحشرت الناس إلى بابل ، فلم يدر أحد ما يقول الآخر ، ثم فرّقتهم الريح في البلاد . وقيل : لتبلبل الألسنة بها عند سقوط قصر نمروذ . { هَارُوتَ وَمَارُوتَ } : قرأ الجمهور : بفتح التاء ، وهما بدل من الملكين ، وتكون الفتحة علامة للجرّ لأنهما لا ينصرفان ، وذلك إذا قلنا إنهما إسمان لهما . وقيل : بدل من الناس ، فتكون الفتحة علامة للنصب ، ولا يكون هاروت وماروت اسمين للملكين . وقيل : هما قبيلتان من الشياطين ، فعلى هذا يكونان بدلاً من الشياطين ، وتك ن الفتحة علامة للنصب ، على قراءة من نصب الشياطين . وأما من رفع الشياطين ، فانتصابهما على الذم ، كأنه قال : أذم هاروت وماروت ، أي هاتين القبيلتين ، كما قال الشاعر : % ( أقارع عوف لا أحاول غيرها % .
وجوه قرود تبتغي من تخادع .
) % .
وهذا على قراءة الملكين ، بفتح اللام . وأما من قرأ بكسرها ، فيكونان بدلاً من الملكين ، إلا إذا فسرا بداود وسليمان عليهما السلام ، فلا يكون هاروت وماروت بدلاً منهما ، ولكن يتعلقان بالشياطين على الوجهين اللذين ذكرنا في رفع الشياطين ونصبه . وقرأ الحسن والزهري : هاروت وماروت بالرفع ، فيجوز أن يكونا خبر مبتدأ محذوف ، أي هما هاروت وماروت ، إن كانا ملكين . وجاز أن يكونا بدلاً من الشياطين ، الأول أو الثاني ، على قراءة من رفعه ، إن كانا شيطانين . وتقدّم لنا القول في هاروت وماروت ، وأنهما أعجميان . وزعم بعضهم أنهما مشتقان من الهرت والمرت ، وهو الكسر ، وقوله خطأ ، بدليل منعهم الصرف لهما ، ولو كانا ، كما زعم ، لانصرفا ، كما انصرف جاموس إذا سميت به . واختصت بابل بالإنزال لأنها كانت أكثر البلاد سحراً . .
{ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ } : قرأ الجمهور : بالتشديد ، من علم على بابها من التعليم . وقالت طائفة : هو هنا بمعنى يعلمان التضعيف ، والهمزة بمعنى واحد ، فهو من باب الإعلام ، ويؤيده قراءة طلحة بن مصرّف . وما يعلمان : من أعلم قال : لأن الملكين إنما نزلا