ما كان لهم عونا على الكفر والمعاصي وعلمنا أن إملاء الشيطان إنما هو بالوسوسة وإنساء العقاب والحض لهم على المعاصي وقال تعالى أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون فهذا فعل من فاعلين ضرورة نسب إلى الله تعالى لأنه اخترعه وخلقه وإنما نسب إلينا لأننا تحركنا في زرعه فظهرت الحركة المخلوقة فينا فهذه كلها افعال خلقها الله تعالى وأظهرها في عباده فقط وبالله تعالى نتأيد .
قال أبو محمد وتحقيق هذا القول في الأفعال هو أن الله سبحانه وتعالى خلق كل ما خلق قسمين فقط جوهرا حاملا وعرضا محمولا ناطقا وغير ناطق فغير الحي هو الجماد كله والناطق هو الملائكة وحور العين والجن والإنس فقط غير الناطق هو كل ما عدا ذلك من الحيوان ثم خلق تعالى في الجمادات وفي الحي غير الناطق وفي الحي الناطق حركة وسكونا وتأثيرا قد ذكرناه آنفا فالفلك يتحرك والمطر ينزل والوادي يسيل والجبل يسكن والنار تحرق والثلج يبرد وهكذا في كل شيء بهذا جاء القرآن وجميع اللغات قال تعالى تلفح وجوههم النار وقال تعالى فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا وقال تعالى فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض وقال تعالى والفلك تجري في البحر بأمره والفلك تجري في البحر بما ينفع الناس ومثل هذا كثير جدا وبهذا جاءت اللغات في نسبة الأفعال الظاهرة في الجمادات إليها لظهورها فيها فقط لا يختلف لغة في ذلك وقال تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام أنه قال أجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب انهن أضللن كثيرا من الناس فأخبر أن الأصنام تضل وقال تعالى تذروه الرياح وهذا أكثر من أن يحصى والإعراض أيضا تفعل كما ذكرنا قال D والعمل الصالح يرفعه وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فالظن يردي والعمل يرفع ولم تختلف أمة في صحة القول أعجبني عمل فلان وسرني خلق فلان ومثل هذا كثير جدا وقد وجدنا الحر يحلل ويصعد والبرد يجمد ومثل هذا كثير جدا وقد بيناه والكل خلق الله D وأما حركة الحي غير الناطق والحي الناطق وسكونهما وتأثيرهما فظاهر أيضا ثم خلق الله سبحانه وتعالى في الحي غير الناطق وفي الحي الناطق قصدا ومشيئة لم يخلق ذلك في الجماد كإرادة الحيوان الرعي وتركه والمشي وتركه والأكل وتركه وما أشبه هذا ثم خلق تعالى في الحي الناطق تمييزا لم يخلقه في الحي غير الناطق ولا في الجماد وهو التصرف في العلوم والمعارف هذا كله أمر مشاهد وكل ذلك خلق الله تعالى فيما خلقه فيه ونسب الفعل في كل ذلك إلى من أظهره الله تعالى منه فقط فخلق تعالى كما ذكرنا في الحي الناطق الفعل والاختيار والتمييز وخلق في الحي غيرالناطق الفعل والاختيار فقط وخلق في الجماد الفعل فقط وهو الحركة والسكون والتأثير كما ذكرنا وبالجملة فلا فرق بين من كابر وجاهر فأنكر فعل المطبوع بطبعه وقال ليس هو فعله بل هو فعل الله تعالى فيه فقط وبين آخر جاهر وكابر فأنكر فعل المختار باختياره وقال ليس هو فعله بل هو فعل الله تعالى فيه فقط وكلا الأمرين محسوس بالحس معلوم بأول العقل وضرورته أنه فعل لما ظهر منه ومعلوم كل ذلك بالبرهان الضروري أنه خلق الله تعالى في المطبوع وفي المختار فإن فروا إلى القول بأن الله تعالى لم يخلق فعل المختار وانه فعل المختار فقط قلنا قد بينا بطلان هذا قبل ولكن نعارضكم ها هنا بأن منكم من يقول بأن الله تعالى أيضا لم يخلق فعل المطبوع وأنه فعل المطبوع