- روى الإمام أحمد والطبراني وإسناد أحمد لا بأس به مرفوعا : [ [ سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولينوا في أيدي إخوانكم وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الخذف ] ] . يعني أولاد الضأن الصغار . وروى الإمام أحمد بإسناد جيد مرفوعا : [ [ إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأول ] ] . وروى ابن خزيمة في صحيحه أن النبي A كان يأتي ناحية الصف ويسوي بين صدور القوم ومناكبهم ويقول : [ [ لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ] ] . وفي رواية الشيخين : فإن تسوية الصف من تمام الصلاة . وفي رواية للبخاري : من إقامة الصلاة يعني التي أمرنا الله بها في قوله : { أقيموا الصلاة } . وروى النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما مرفوعا : [ [ رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بين الأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الخذف ] ] . والخذف : هو ما يكون بين الاثنين من الاتساع عند عدم التراص . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ استووا تستو قلوبكم وتماسوا ترحموا ] ] . ومعنى تماسوا : ازدحموا في الصلاة قاله شريح وقال غيره تماسوا تواصلوا . وروى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا : [ [ ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله ] ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا : [ [ إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ] ] . وروى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا : [ [ إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف ] ] . وروى مسلم عن البراء بن عازب قال : كنا إذا صلينا خلف رسول الله A أحببنا أن نكون عن يمينه بقبل علينا بوجهه الحديث . والله سبحانه وتعالى أعلم .
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله A ) أن نسوي صفوفنا ونتراص فيها ونقدم الوقوف في ميامنها على غيره من الوسط أو المياسر وفي ذلك أسرار لا تذكر إلا مشافهة . وينبغي أن لا يكون بين أحد من أهل الصف وبين من هو في صفه شحناء ولا حسد ولا غل ولا مكر ولا خديعة ليوافق الباطن صورة الظاهر فإن اختلاف القلوب أشد من اختلاف الجوارح ولذلك منع الإمام مالك Bه صحة اقتداء مصلي الظهر مثلا بمن يصلي العصر وذلك لأن الجوارح تبع للقلب فكأنما مكان المشاحن خال عن أحد يقف فيه لشرود قلب المشاحن عن جاره فليتأمل . ومن الأسرار الظاهرة في ذلك أن الله تعالى أمرنا بإقامة الدين ولا يقوم إلا إذا كنا على قلب رجل واحد وفي القرآن العظيم : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } . يعني قوتكم .
ومن الأسرار أيضا أن الشيطان لا يدخل بين الصفوف ويوسوس لأصحابه إلا إذا رأى بينها خللا فمتى قرب من الصف احترق من أنفاسهم كما في حديث [ [ يد الله مع الجماعة ] ] . أي تأييده . وهذا الأمر لا يكاد يسلم منه أحد من المحبين للدنيا ومناصبها ووظائفها فإن كل من سعى على وظيفة شخص صار عدوا له وإن لم يسع في الماضي ربما كان ناويا على السعي في المستقبل إذا رأى حاكما يجيبه إلى ذلك فتحس القلوب بذلك فيكون عدوا مستورا في الظاهر دون الباطن فلا ينبغي لأحد من هؤلاء أن يقف في صف من بينه وبينه عداوة ليطابق باطنه ظاهره ويخرج عن صفة النفاق المشار إليها بقوله تعالى : { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } . اللهم إلا أن يقف بعد التوبة ناويا التقرب إليه تمييلا لخاطره و والله لو كان أئمة الدين على قلب رجل واحد ما دخل في الشريعة نقص قط ولا أطاق مخالفتهم أحد من الولاة وكان كل من خالفهم هلك بسرعة ولكنهم اختلفوا { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } .
وأما غير أئمة الدين ممن يحب الدنيا فقد كفى الله الظلمة شرهم لأنهم لا يزالون يستمطرون منهم الرزق فإن أعطوهم شيئا من سحت الدنيا خرس لسانهم وذهب سمعهم وبصرهم وصاروا خرسا صما عميا فوجودهم كالعدم وإن لم يعطوهم فهم يوافقونهم في أغراضهم ضرورة تمييلا لخاطرهم ليعطوهم كما أعطوا غيرهم ويصيروا كذلك خرسا صما عميا فهذا هو الباب الذي دخل منه النقص في الدين ولو كان العلماء كلهم زاهدين ما دخل في الدين نقص فجاهد يا أخي نفسك على يد شيخ ليخرجك من رعونات النفوس حتى لا يبقى في نفسك شهوة ولا حرص على شيء من الدنيا وأمر أصحابك بالمجاهدة على يد شيخ كذلك ثم تراصوا في الصف بعد ذلك وإن لم يتيسر ذلك فقفوا في الصف واستغفروا الله من كل ذنب يعلمه الله . { والله غفور رحيم }