العالم كما قلت لكنه كان يقل فرحهم بالدنيا وسعيهم لها واغتباطهم بها وكانوا يتركون تشييد البنيان وتنضيده وزخرفته وتنجيده ويدعون التأنق في ملابسهم ومراكبهم إلى غير ذلك من جميع أمورهم ويجتزئون من الدنيا بما أمكن ويأخذون منها ما تيسر ويقتصرون على ما يبلغ فتقل تبعتهم ويهون حسابهم ويخرجون من الدنيا خفافا يقدرون على قطع عقبات الآخرة وسلوك طرقها الضيقة وسبلها الشاقة ويسهل عليهم الأمر هنالك .
وأما قصر الأمل حتى تترك الصانعات وأسباب المعيشة فإنما يصح في بعض الأشخاص وفي القليل من الناس بمؤنته ونظر له سواه في معيشته سنة الله D مع المتوكلين وعادته مع المنقطعين ويبقى أولئك مع آمالهم والنظر في أعمالهم فإن الأمل رحمة من الله تعالى تنتظم به أسباب المعاش وتستحكم به أمور الناس ويتقوى به الصانع على صناعته والعابد على عبادته .
وإنما يذم من الأمل ما امتد وطال حتى أنسى العاقبة والمآل وثبط عن صالح الأعمال .
يروى أن الله D لما مسح ظهر آدم عليه السلام فاستخرج ذريته قالت الملائكة رب لا تسعهم الأرض .
قال الله D إني جاعل موتا قالت الملائكة لا يهنأهم العيش قال إني جاعل أملا .
وقال الثوري C بلغني أن الإنسان خلق أحمق ولولا ذلك ما هنأه العيش .
ويروى أن عيسى عليه السلام كان جالسا وبين يديه شيخ يعمل بمسحاة في أرض له فنظر إليه وقال اللهم انزع الأمل من قلبه فطرح