( ألا يا صاح والبلوى ضروب ... ودعتك للذي تهوى فدعني ) .
( إذا أنا لم أبك ذهاب عمري ... فمن هذا الذي يبكيه عني ) .
ولعلك أن تقول لو أني قصرت أملي كما تريده مني وقصر ذلك أمله وذاك أمله وقصر الناس آمالهم وتركوا صناعاتهم وأسباب معيشتهم لخربت الأرض وهلك الناس وفسد هذا العالم .
فأقول نعم صدقت لو قصر الناس آمالهم بحيث يتركون صناعاتهم والنظر في معيشتهم وعمارة دنياهم وأجمعوا على ذلك لكان ما قلت ولكنهم لا يفعلون وليس بتقصيرك أنت أملك يقصر الناس آمالهم ولا بزمدك أنت في الدنيا يزهد الناس كلهم فيها فلا تبك يا هذا ولا تشغل نفسك به ولا يمنعك ذلك من تقصير أملك ولا من زهدك وإصلاح عملك وعليك بنفسك فعنها تسأل وبالواجب عليها تطلب .
وليس تقصيرك أملك بالذي يمنعك أن تطلب رزقك وإن تشتغل بإصلاح نفسك ومعيشتك وتربية ولدك إلى غير ذلك من جميع منافعك بل تقدر أن تجمع بينهما وذلك أن تنظر بمعونة الله D لك وتثبيته إياك إلى غير ذلك من سبب معيشتك .
فإن كان مما يتكرر كل يوم عملت فيه يومك وأخذت منه قوتك ولم تعول على أنك تعيش غدا فإن أصبحت غدا عملت كذلك أيضا .
وكذلك إن كان سببك مما يتم بعد أيام كثيرة أو يكون مما ينظر فيه السنة كلها كالزراعة وغيرها نظرت فيه على كماله ولم تعول على أن تدرك إبانه وأن تبلغ وقته وأوانه فإن بلغته كان الذي أردت وإن اخترمتك المنية دونه كان ما عملت منه معونة لغيرك وتسهيلا لمن يأتي من بعدك .
وتقدر أن تعمل السبب الذي يكون فيه معيشتك كما وصفت لك وتقصر أملك عن تمامه سواء كان السبب مما تعمل فيه سنة أو يوما أو أقل وكذلك سائر الناس لو كانوا هكذا لما هلكوا ولا خربت الأرض ولا فسد هذا