وعلى الآخرة البقاء فلا فناء لما كتب الله عليه البقاء ولا بقاء لما كتب الله عليه الفناء فلا يغرنكم شاهد الدنيا من غائب الآخرة واقهروا طول الأمل بقصر الأجل .
وفي بعض الخطب المروية أيها الناس إن الآمال تطوى والأعمار تفنى والأبدان تحت التراب تبلى وإن الليل والنهار يتراكضان كتراكض البريد يقربان كل بعيد ويبليان كل جديد وفي ذلك عباد الله ما يلهي عن الشهوات ويسلي عن اللذات ويرغب في الباقيات الصالحات .
وفي بعض الخطب أيضا أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم فرضيتم به فأجرتم وإن ذكرتموه في غنى نغصه عليكم فجدتم به فأثبتم إن المنايا قاطعات الآمال والليالي مدنيات الآجال وإن المؤمن بين يومين يوم قد مضى أحصى فيه عمله فختم عليه ويوم قد بقي لعله لا يصل إليه إن العبد عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما أسلف وقلة غناء ما خلف ولعله من باطل جمعه أو من حق منعه .
وقال بعض الحكماء إن للباقي بالماضي معتبرا وللآخر بالأول مزدجرا والسعيد لا يغتر بالطمع ولا يركن إلى الخدع ومن ذكر المنية نسي الأمنية ومن أطال الأمل نسي العمل وغفل عن الأجل .
وقال بعض المفسرين في قول الله D ( فتنتم أنفسكم ) قال بالشهوات واللذات ( وتربصتم ) قال بالتوبة ( وارتبتم ) قال شككتم ( حتى جاء أمر الله ) قال الموت ( وغركم بالله الغرور ) قال الشيطان .
وكتب عمر بن عبد العزيز C إلى يزيد بن عبد الملك إياك أن تدركك الصرعة عند الغرة فلا تقال العثرة ولا تمكن من الرجعة ولا يحمدك من خلفت على ما تركت ولا يعذرك من تقدم عليه بما به اشتغلت