وكيف تكون حيرتك ودهشتك إذا قيل لك عاملت فلانا يوم كذا وكذا في كذا وكذا وأخذت منه كذا وكذا وغبنته في كذا وكذا وتركت نصيحته في كذا وكذا وفي هذه السلعة ولم تبين له هذا العيب أو غصبت فلانا أو ظلمت فلانا أو غششت فلانا أو قتلت فلانا أو فعلت كذا وكذا وقيل لك أدل بحجة قم ببينة ائت ببرهان انفذ بسلطان فأردت الكلام فلم تبين وجئت بعذر فلم يستبن هيهات أنى لك الكلام ولم تنقحه وأنى لك بالعذر وفي الدنيا لم تصححه .
قال الله تعالى ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) .
وقال الحارث بن أسد المحاسبي في موعظة له أحذرك يا أخي ونفسي يوما إلى الله فيه على نفسه ألا يترك عبدا أمره في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله كله دقيقه وجليله سره وعلانيته فانظر بأي بدن تقف بين يديه وبأي لسان تجيبه فأعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا فتفكر الآن وانظر بأي قدم تقف في ذلك المقام وبأي أذن تسمع ذلك الكلام فما شئت من قلب يخلع وكبد تصدع ولسان يتلجلج وأحشاء تتموج ونفس تريد أن تخرج فلا تترك أن تخرج .
فانظر ما أشأم تلك الأرباح التي ربحتها وأخسر تلك المعاملات التي عاملت بها انظر كيف ذهبت عنك مسراتها وبقيت حسراتها والشهوات التي في ظلم العباد انفدتها كيف ذهب عنك الفرح بها وبقيت تبعتها وانظر الآن بكم تفتدي من ذلك الموقف وبكم تتخلص من ذلك السؤال .
أتقول لو كان لك نصف الدنيا أكنت تعطيه في التخلص من ذلك المقام أي لعمرو الله والدنيا وأضعافها مرات فكيف ولم يحصل لك من عمرك الا دريهمات يسيرة أنفقتها في أيام يسيرة وربما لم تنفقها ولعلك كنت أنت جامعها والمتعب فيها وكان المنفق لها سواك والمتلذذ بها غيرك إما زوج ابنتك أو زوجة