فيفسر له فتتنغص عليه لذته وتتكدر عليه حياته ويزهد في الملك ويسلك مسلك إخوته ويلحق بهم ويحذو حذوهم .
فبقي الغلام على ذلك لا يذكرون عنده موتا ولا يسمعونه حديث ميت ولا يطلعونه عليه ولا يذكر عنده إلا الدنيا وتعظيمها والفرح بها والإقبال عليها وتعظيم آبائه الملوك وأجداده العظماء والترغيب في الاقتداء بهم والمشي على طريقهم والاستنان بسنتهم .
إلى ان شب الغلام وعقل ما يعقله الناس فمشى ذات يوم في ذلك القصر وطاف في أرجائه وقد أحدق به خاصته والموكلون به فانتهى إلى سور القصر فقال ما وراء هذا السور وما خلف هذا الحائط فقالوا له وراءه الأرض الواسعة والبلاد الكثيرة والجم الغفير من الناس وكل ذلك لك وللملك أبيك فقال أخرجوني حتى أنظر وأرى فأبوا حتى يشاوروا أباه فشاوروه وأخبروه بأنه يريد أن يخرج ويرى الناس وظنوا أنه يحكمهم .
فأذن لهم فأخرجوه فرأي ونظر فأول ما وقع بصره من الناس على شيخ كبير قد سال لعابه من فيه وسقط حاجباه على عينيه من الكبر .
فقال ما هذا فقالوا شيخ كبير فقال وما شيخ كبير قالوا كان شابا فعمر وعاش حتى أصابه الهرم فعمل به ما ترى قال وما الهرم قالوا الكبر وطول العمر يعيش إلى أن تقل طاقته وتضعف حركته حتى لا يقدر أن يمسك لعابه في فيه مع علل أخر تعتريه من طول الحياة .
قال أو يصيبكم هذا أو هو شيء يصيب قوما دون قوم قالوا هو ليس مختصا بأحد دون أحد بل يصيب كل من طال عمره قال ويصيبني أنا مع ما أنا فيه من النعيم وضروب اللذات وبلوغ الشهوات قالوا نعم ويصيبك أنت إن طالت بك الحياة فقال أف لعيش يكون آخره هذا .
ثم رجع إلى قصره وقد تكدر عليه بعض نعيمه وتنغص عليه بعض ما كان فيه فعالجوه بكل لهو وكل باطل حتى استخرجوا من قلبه ما كان وقع فيه من أمر الهرم والكبر