قال فأبكى الناس ثم قال عند انصرافه يا ذر ما علينا بعدك من خصاصة وما بنا مع الله إلى إنسان من حاجة .
ياذر مضينا وتركناك ولو أقمنا عندك ما نفعناك .
ألا ترى إلى هذا لم يشغله الحزن على ولده وثمرة كبده عن الحزن بما قال وبما قيل له لأنهم إنما كانوا يقدمون الأهم فالأهم ويبدأون بالأعظم فالأعظم .
يروى عن الأصمعي قال حجت امرأة من العرب ومعها ابن لها فأصيبت به فلما دفن قامت على قبره وهي موجعة فقالت يا بني والله لقد غذوتك رضيعا وفقدتك سريعا وكأن لم يكن بين الحالتين مدة ألتذ فيها بعيشك وأتمتع فيها بالنظر إلى وجهك وبقيت مدة أتذكرك فيها وأذوب فيها بالحزن عليك .
ثم قالت اللهم منك العدل ومن خلقك الجود اللهم وهبتني قرة عيني فلم تمتعني به كثيرا بل سلبتنيه وشيكا ثم أمرتني بالصبر عليه ووعدتني الأجر فصدقت وعدك ورضيت قضاءك اللهم ارحم غربته واستر عورته يوم تنكشف العورات وتظهر السوآت فرحم الله من ترحم على من استودعته الردم ووسدته الثرى .
فلما أرادت الخروج إلى أهلها وقفت على قبره وقالت أي بني قد تزودت لسفري من الدنيا فليت شعري ما زادك لسفرك ويوم معادك اللهم أسألك الرضى له برضاي عنه ثم قالت استودعك من استودعنيك جنينا في الأحشاء وأذاقني عليه غصة الثكلى واثكل الولدات ما أقل أنسهن وأشد وحشتهن وصلت عند قبره ركعتين وانصرفت .
ولعلك يا هذا ممن يلبس النعش الثياب الملونة ويجعل عليه الأردية المصبغة ويحليه الحلية المبيضة ويخرجه كالفتاة المحلاة والعروس المجلاة ولا يتفكر في ميته هل كسي أثواب الحرير أو قطران السعير وإنه لموضع الفكرة وإرسال العبرة وإطالة العويل والحسرة