مرتين وكذلك قال طاوس لعمر بن عبد العزيز .
ما هذه مشية من في بطنه خراء إذ رآه يتبختر وكان ذلك قبل خلافته وهذا أوله ووسطه .
ولو ترك نفسه في حياته يوما لم يتعهدها بالتنظيف والغسل لثارت منه الأنتان والأقذار وصار أنتن وأقذر من الدواب المهملة التي لا تتعهد نفسها قط .
فإذا نظر أنه خلق من أقذار وأسكن في أقذار وسيموت فيصير جيفة أقذر من سائر الأقذار لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن وكلون الأزهار في البوادي فبينما هو كذلك إذ صار هشيما تذروه الرياح كيف ولو كان جماله باقيا وعن هذه القبائح خاليا لكان يجب أن لا يتكبر به على القبيح إذ لم يكن قبح القبيح إليه فينفيه ولا كان جمال الجميل إليه حتى يحمد عليه كيف ولا بقاء له بل هو في كل حين يتصور أن يزول بمرض أو جدري أو قرحة أو سبب من الأسباب فكم من وجوه جميلة قد سمجت بهذه الأسباب فمعرفة هذه الأمور تنزع من القلب داء الكبر بالجمال لمن أكثر تأملها .
السبب الثالث التكبر بالقوة والأيدي ويمنعه من ذلك أن يعلم ما سلط عليه من العلل والأمراض وأنه لو توجع عرق واحد في يده لصار أعجز من كل عاجز وأذل من كل ذليل وأنه لو سلبه الذباب شيئا لم يستنقذه منه وأن بقة لو دخلت في أنفه أو نملة دخلت في أذنه لقتلته وأن شوكة لو دخلت في رجله لأعجزته وأن حمى يوم تحلل من قوته مالا ينجبر في مدة .
فمن لا يطيق شوكة ولا يقاوم بقة ولا يقدر على أن يدفع عن نفسه ذبابة فلا ينبغي أن يفتخر بقوته ثم إن قوى الإنسان فلا يكون أقوى من حمار أو بقرة أو فيل أو جمل وأي افتخار في صفة يسبقك فيها البهائم .
السبب الرابع والخامس الغنى وكثرة المال وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار والتكبر بولاية السلاطين والتمكن من جهتهم وكل ذلك تكبر بمعنى خارج عن ذات الإنسان كالجمال والقوة والعلم .
وهذا أقبح أنواع الكبر فإن المتكبر بماله كأنه متكبر بفرسه وداره ولو مات فرسه وانهدمت داره لعاد ذليلا والمتكبر بتمكين السلطان وولايته لا بصفة في نفسه بنى أمره على قلب هو أشد غليانا من القدر فإن تغير عليه كان أذل الخلق وكل متكبر بأمر خارج عن ذاته فهو ظاهر الجهل كيف والمتكبر بالغنى لو تأمل لرأى في اليهود من يزيد عليه في الغنى والثروة والتجمل فأف لشرف يسبقك به اليهودي وأف لشرف يأخذه السارق في لحظة واحدة فيعود صاحبه ذليلا مفلسا فهذه أسباب ليست في ذاته وما هو في ذاته ليس إليه دوام وجوده وهو في الآخرة وبال ونكال فالتفاخر به غاية الجهل وكل ما ليس إليك فليس لك وشيء من هذه الأمور ليس إليك بل إلى واهبه إن أبقاه لك وإن استرجعه زال عنك وما أنت إلا عبد مملوك لا تقدر على شيء .
ومن عرف ذلك لا بد وأن يزول كبره .
ومثاله أن يفتخر الغافل بقوته وجماله وماله وحريته واستقلاله وسعة منازله وكثرة خيوله وغلمانه إذ شهد عليه شاهدان عدلان عند حاكم منصف بأنه رقيق لفلان وأن أبويه كانا مملوكين له فعلم ذلك وحكم به الحاكم فجاء مالكه فأخذه وأخذ جميع ما في يده وهو مع ذلك يخشى أن يعاقبه وينكل به لتفريطه في أمواله وتقصيره في طلب مالكه ليعرف أن له مالكا ثم نظر العبد فرأى نفسه محبوسا في منزل قد أحدقت به الحيات والعقارب والهوام وهو في كل حال على وجل من كل واحدة منها وقد بقي لا يملك نفسه ولا ماله ولا يعرف طريقا في الخلاص ألبتة أفترى من هذا حاله هل يفخر بقدرته وثروته وقوته وكماله أم يذل نفسه ويخضع وهذا حال كل عاقل بصير فإنه