@ 97 @ .
ومن أعظم الأدلة القطعية الدالة على بطلان مذهب القدرية ، وأن العبد لا يستقل بأفعاله دون قدرة الله ومشيئته ، أنه لا يمكن أحداً أن ينكر علم الله بكل شيء ، قبل وقوعه والآيات والأحاديث الدالة على هذا لا ينكرها إلا مكابر . .
وسبق علم الله بما يقع من العبد قبل وقوعه ، برهان قاطع على بطلان تلك الدعوى . .
وإيضاح ذلك أنك لو قلت للقدري : إذا كان علم الله في سابق أزله تعلق بأنك تقع منك السرقة أو الزنا في محل كذا في وقت كذا ، وأردت أنت بإرادتك المستقلة في زعمك دون إرادة الله ألا تفعل تلك السرقة أو الزنا الذي سبق بعلم الله وقوعه ، فهل يمكنك أن تستقل بذلك ؟ وتُصيِّر علم الله جهلاً ، بحيث لا يقع ما سبق في علمه وقوعه في وقته المحدد له ؟ .
والجواب بلا شك : هو أن ذلك لا يمكن بحال كما قال تعالى : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ } ، وقال الله تعالى : { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } . .
ولا إشكال البتة في أن الله يخلق للعبد قدرة وإرادة يقدر بها على الفعل والترك ، ثم يصرف الله بقدرته وإرادته قدرة العبد وإرادته إلى ما سبق به علمه فيأتيه العبد طائعاً مختاراً غير مقهور ولا يجور ، وغير مستقل به دون قدرة الله وإرادته كما قال تعالى : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ } . .
والمناظرة التي ذكرها بعضهم ، بين أبي إسحاق الإسفراييني وعبد الجبار المعتزلي توضح هذا . .
وهي أن عبد الجبار قال : سبحان من تنزه عن الفحشاء يعني أن السرقة والزنا ليسا بمشيئة الله ، لأنه في زعمه أنزه من أن تكون هذه الرذائل بمشيئته . .
فقال أبو إسحاق : كلمة حق أريد بها باطل . .
ثم قال : سبحان من لم يقع في ملكه إلا ما يشاء . .
فقال عبد الجبار : أتراه يشاؤه ويعاقبني عليه . .
فقال أبو إسحاق : أتراك تفعله جبراً عليه ، أأنت الرب وهو العبد ؟