@ 223 @ لم يأت به من تقدمه ولا من تأخر عنه تغمده الله برحمته الواسعة ، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً . وقد تركنا كثيراً من نفائس كلامه في هذه المواضيع خشية الإطالة الكثيرة . .
المسألة السابعة .
اعلم أن استهزاء للظاهرية وسخريتهم بالأئمة المجتهدين رحمهم الله ، ودعواهم أن قياساتهم متناقضة ينقض بعضها بعضاً ، وأن ذلك دليل على أنها كلها باطلة وليست من الدين في شيء إذا تأمل فيه المنصف العارف وجد الأئمة رحمهم الله أقرب في أغلب ذلك إلى الصواب ، والعمل بما دلت عليه النصوص من الظاهرية الساخرين المستهزئين . وسنضرب لك بعض الأمثلة لذلك لتستدل به على غيره . .
اعلم أن من أعظم المسائل التي قال فيها الظاهرية بتناقض أقيسة الأئمة ، وتكذيب بعضها لبعض ، وأن ذلك يدل على بطلان كل قياس من أقيستهم ، هي مسألة الربا التي قال فيها النَّبي صلى الله عليه وسلم : ( الذهب الذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، يداً بيد . فمن زاد أو استزاد فقد أربى ) . .
قال الظاهرية : فالنَّبي صلى الله عليه وسلم إنما حرم الربا في الستة المذكورة . فتحريمه في شيء غيرها قول على الله وعلى رسوله ، وتشريع زائد على ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : والذين زادوا على النص أشياء يحرم فيها الربا اختلفت أقوالهم ، وتناقضت أقيستهم . فبعضهم يقول : التمر ، والبلوط ثمر شجر يؤكل ويدبغ بقشره . وبعضهم يقول هي الكبل . وبعضهم يقول هي الافتيات والادخار الخ . .
فهذه أقيسة متضاربة متناقضة فليست من عند الله ، وإذا تأملت في هذه المسألة التي سخروا بسببها من الأئمة ، وادعوا عليهم أنهم حرموا الربا في أشياء لا دليل على تحريمه فيها كالتفاح عند من يقول العلة الطعم كالشافعي ، وكالأشنان عند من يقول العلة الكيل علمت أن الأئمة أقرب إلى العمل بالنص في ذلك من الظاهرية المدعين الوقوف مع ظاهر النص . أما الشافعي الذي قال : العلة في تحريم الربا الطعم فقد استدل لذلك بما رواه مسلم في صحيحه : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمرو ( ح ) وحدثني أبو الطاهر ، أخبرنا ابن وهب عن عمرو بن الحرث : أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله : أنه أرسل غلامه بصاع قمح . . الحديث ، وفيه . فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الطعام بالطعام مثلاً بمثل ) وكان طعامنا