@ 222 @ غير مواضعها : { ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بالعقاب من عنده ) فأخبرهم أنهم يضعونها على غير مواضعها في فهمهم منها خلاف ما أريد بها . وأشكل على ابن عباس أمر الفرقة الساكتة التي لم ترتكب ما نهيت عنه من اليهود ، هل عذبوا أو نجوا حتى بين له مولاه عكرمة دخولهم في الناجين دون المعذبين ، وهذا هو الحق ، لأنه سبحانه قال عن الساكتين . { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا } فأخبر أنهم أنكروا فعلهم وغضبوا عليهم ، وإن لم يواجهوهم بالنهي ، فقد واجههم به من أدى الواجب عنهم . فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية ، فلما قام به أولئك سقط عن الباقين فلم يكونوا ظالمين بسكوتهم . .
وأيضاً فإنه سبحانه إنما عذب الذين نسوا ما ذكروا به ، وعتوا عما نهوا عنه ، وهذا لا يتناول الساكتين قطعاً . فلما بين عكرمة لابن عباس أنهم لم يدخلوا في الظالمين المعذبين كساه برده وفرح به . .
وقد قال عمر بن الخطاب للصحابة : ما تقولون في { إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } السورة ؟ قالوا : أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفر . فقال لابن عباس : ما تقول أنت ؟ قال : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه . فقال : ما أعلم منها غير ما تعلم . إلى أن قال رحمه الله : .
والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص . وأن منهم من يفهم في الآية حكماً أو حكمين . ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر من ذلك . ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره . وأخص من هذا وألطف ضمه إلى نص آخر متعلق به ، فيفهم من اقترانه به قدراً زائداً على ذلك اللفظ بمفرده . .
وهذا باب عجيب من فهم القرآن ، لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم ، فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به : كما فهم ابن عباس من قوله تعالى : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } مع قوله : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } أن المرأة قد تلد لستة أشهر . . إلى آخر كلامه رحمه الله . .
وإنما أكثرنا في هذه المباحث من نقل كلام ابن القيم رحمه الله كما رأيت . لأنه جاء فيها بما