اقول الأحاديث مصرحة بالنهي عن ذلك والنهي حقيقة في التحريم كما عرفت ولم يرد ما يقتضي صرف ذلك عن معناه الحقيقي .
قوله واستقبال القبلتين والقمرين واستدبارهما .
اقول أقول أما استقبال القبلة واستدبارها فالنهي عن ذلك ثابت عن جماعة من الصحابة رووا النهي عن استقبالها واستدبارها مرفوعا إلى النبي A وبعض هذه الأحاديث في الصحيحين وبعضها في غيرهما .
وحقيقة النهي التحريم ولا يصرف ذلك ما روي أنه A فعل ذلك فقد عرفناك أن فعله A لا يعارض القول الخاص بالأمة إلا أن يدل دليل على أنه أراد الاقتداء به في ذلك وإلا كان فعله خاصا به وهذه المسألة مقررة في الأصول محررة أبلغ تحرير وذلك هو الحق كما لا يخفى على منصف ولو قدرنا أن مثل هذا الفعل قد قام ما يدل على التأسي به فيه لكان ذلك خاصا بالعمران فإنه رآه وهو في بيت حفصة كذلك بين لبنتين .
وأما بيت المقدس فلم يكن فيه إلا حديث معقل بن أبي معقل أن رسول الله A نهى أن تستقبل القبلتين ببول أو غائط أخرجه ابو داود وفي إسناده أبو زيد الراوي له عن معقل وهو مجهول فلا تقوم به حجة ولم يرد في بيت المقدس غيره وقد نقل الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس وقيل إنه خاص بأهل المدينة ومن هو على سمتهم لأن استقبال بيت المقدس يستلزم استدبارهم للكعبة .
وأما ما قيل من أن بيت المقدس يكون له حكم الكعبة بالقياس فهذا القياس من أبطل الباطلات لأنه إن كان الجامع الشرف لزم ذلك في كل محل شريف وإن تفاوت الشرف