وإذا عرفت هذا فالأمر في الحديث واضح والمعنى صحيح وهو أن النبي A نهى تارة عن قتل المسلم بالكافر ضم إليه النهي عن قتل المعاهد من غير نظر إلى القصاص به ومنه وهذا معنى صحيح تام لا يحتاج إلى تقدير وقد تقرر أن الكلام إذا صح بدون تقدير كانت الزيادة عليه عبثا .
ووجه ذكر النهي عن قتل بعد ذكر النهي عن قتل المسلم بالكافر أنه ربما سمع السامعون أنه لا يقتل مسلم بكافر فيكون ذلك سببا للجرأة على قتل كل كافر معاهد وغيره فنهاهم النبي A عن قتله لأنه معصوم بالذمة بخلاف الكافر الحربي فما جاء به القائلون بأنه يقتل المسلم بالذمى من التقديرات المتكلفة لم تدع إليه حاجة ولا قام عليه دليل ولا مثل هذا السراب المبنى على شقا جرف هار يصلح لقتل المسلمين بالكفار .
قوله فلا يقتل أمه بأبيه الخ .
أقول إنما يتم هذا لو كان الوارد في الاقتصاص من الوالد للولد يدل على أنه لا يثبت للولد على والده قصاص أصلا كأن يقول لا يقتص ولد من والده أو لا يقتص فرع من أصله ولم يرد ما يفيد هذا المفاد ولا ما يدل على هذا المعنى بل معنى ما ورد أنه لا يقتل الوالد بالولد وهذا لا يدل على أنه لا يثبت للفرع قصاص على الأصل على كل تقدير .
وأما ما عللوا به من منع ثبوت القصاص للولد من والده مطلقا بأنه كان سبب وجوده فلا يكون الولد سببه إعدامه فما أبرد هذه العلة وما أقل فائدتها وليس مجرد ما يتخيله المتخيل من العلل العليلة مسوغا لبناء أحكام الشرع عليه .
وأما قوله والكفارة فلا يخفاك أن الله سبحانه إنما شرع الكفارة في قتل الخطأ والمفروض هنا أن القتل وقع عمدا ولا كفارة في العمد إلا بدليل ولا دليل فلا وجه لإيجاب الكفارة ولكنها تجب الدية لأن سقوط القصاص لا يستلزم سقوطها