فأما تسميتها فاتحة الكتاب فقد ثبتت في السنة في أحاديث كثيرة منها قول النبي A " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " وفاتحة مشتقة من الفتح وهو إزالة حاجز عن مكان مقصود ولوجه فصيغتها تقتضي أن موصوفها شيء يزيل حاجزا وليس مستعملا في حقيقته بل مستعملا في معنى أول الشيء تشبيها للأول بالفاتح لأن الفاتح للباب هو أول من يدخل فقيل الفاتحة في الأصل مصدر بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب والباقية بمعنى البقاء في قوله تعالى ( فهل ترى لهم من باقية ) وكذلك الطاغية في قوله تعالى : ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ) " في قول ابن عباس أي بطغيانهم " . والخاطئة بمعنى الخطأ والحاقة بمعنى الحق . وإنما سمي أول الشيء بالفاتحة إما تسمية للمفعول بالمصدر الآتي على وزن فاعلة لآن الفتح يتعلق بأول أجزاء الفعل ففيه يظهر مبدأ المصدر وإما على اعتبار الفاتحة اسم فاعل ثم جعلت اسما لأول الشيء ؛ إذ بذلك الأول يتعلق الفتح بالمجموع فهو كالباعث على الفتح فالأصل فاتح الكتاب وأدخلت عليه هاء التأنيث دلالة على النقل من الوصفية إلى الاسمية أي إلى معاملة معاملة الاسم في الدلالة على ذات معينة لا على ذي وصف مثل الغائبة في قوله تعالى ( وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ) ومثل العافية والعاقبة قال التفتزاني في شرح الكشاف : " ولعدم اختصاص الفاتحة والخاتمة بالسورة ونحوها كانت التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية وليست لتأنيث الموصوف في الأصل لأنهم يقولون فاتحة وخاتمة دائما لا في خصوص جريانه على موصوف مؤنث كالسورة والقطعة وذلك كقولهم فلان خاتمة العلماء وكقول الحريري في المقامة الأولى " أدتني خاتمة المطاف وهدتني فاتحة الألطاف " . وأيا ما كان ففاتحة وصف وصف به مبدأ القرآن وعومل معاملة الأسماء الجنسية ثم أضيف إلى الكتاب ثم صار هذا المركب علما بالغلبة على هذه السورة .
ومعنى فتحها الكتاب أنها جعلت أول القرآن لمن يريد أن يقرأ القرآن من أوله فتكون فاتحة بالجعل النبوي في ترتيب السور وقيل لأنها أول ما نزل وهو ضعيف لما ثبت في الصحيح واستفاض أن أول ما أنزل سورة ( اقرأ باسم ربك ) وهذا مما لا ينبغي أن يتردد فيه . فالذي نجزم به أن سورة الفاتحة بعد أن نزلت أمر الله رسوله أن يجعلها أول ما يقرأ في تلاوته .
وإضافة سورة إلى فاتحة الكتاب في قولهم سورة فاتحة الكتاب من إضافة العام إلى الخاص باعتبار فاتحة الكتاب علما على المقدار المخصوص من الآيات من الحمد لله إلى الضالين بخلاف إضافة سورة إلى ما أضيفت إليه في بقية سور القرآن فإنها على حذف مضاف أي سورة ذكر كذا وإضافة العام إلى الخاص وردت في كلام العرب مثل قولهم شجر الأراك ويوم الأحد وعلم الفقه ونراها قبيحة لو قال قائل : إنسان زيد وذلك باد لمن له أدنى ذوق إلا أن علماء العربية لم يفصحوا عن وجه الفرق بين ما هو مقبول من هذه الإضافة وبين ما هو قبيح فكان حقا أن أبين وجهه : وذلك ان إضافة العام إلى الخاص تحسن إذا كان المضاف والمضاف إليه اسمي جنس وأولهما أعم من الثاني فهنالك يجوز التوسع بإضافة الأعم إلى الأخص إضافة مقصودا منها الاختصار ثم تكسبها غلبة الاستعمال قبولا نحو قولهم شجر الأراك عوضا أن يقولوا : الشجر الذي هو الأراك ويوم الأحد عوضا عن أن يقولوا : يوم هو الأحد . وقد يكون ذلك جائزا غير مقبول لأنه لم يشع في الاستعمال كما لو قلت حيوان الإنسان ؛ فأما إذا كان المتضايفين غير اسم جنس فالإضافة في مثله ممتنعة فلا يقال : إنسان زيد . ولهذا جعل قول الناس " شهر رمضان " علما على الشهر المعروف بناءا على أن لفظ رمضان خاص بالشهر المعروف لا يحتمل معنى آخر فتعين أن يكون ذكر كلمة " شهر " معه قبيحا لعدم الفائدة منه لولا أنه شاع حتى صار مجموع المركب الإضافي علما على ذلك الشهر .
ويصح عندي أن تكون إضافة السورة إلى فاتحة الكتاب من إضافة الموصوف إلى الصفة كقولهم : مسجد الجامع وعشاء الآخرة أي سورة موصوفة بأنها فاتحة الكتاب فتكون الإضافة بيانية ولم يجعلوا لها اسما استغناء بالوصف كما يقول المؤلفون مقدمة أو باب بلا ترجمة ثم يقولون باب جامع مثلا ثم يضيفونه فيقولون : باب جامع الصلاة .
A E