والمعنى : لأريناك أشخاصهم فعرفتهم أو لذكرنا لك أوصافهم فعرفتهم بها ثم يحتمل أن الله شاء ذلك وأراهم للرسول صلى الله عليه وسلم . فعن أنس " ما خفي على النبي بعد هذه الآية سيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم " ذكره البغوي والثعلبي بدون سند .
ومما يروى عن حذيفة ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم عرفه بالمنافقين أو ببعضهم ولكن إذا صح هذا فإن الله لم يأمر بإجرائهم على غير حالة الإسلام ويحتمل أن الله قال هذا إكراما لرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يطلعه عليهم .
واللام في ( لأريناكهم ) لام جواب ( لو ) التي تزاد فيه غالبا .
واللام في ( فلعرفتهم ) تأكيد للام ( لأريناكهم ) لزيادة تحقيق تفرع المعرفة على الإرادة .
( ولتعرفنهم في لحن القول ) هذا في معنى الاحتراس مما يقتضيه مفهوم ( لو نشاء لأريناكهم ) من عدم وقوع المشيئة لإرادته إياهم بنعوتهم .
والمعنى : فان لم نرك إياهم بسيماهم فلتقعن معرفتك بهم من لحن كلامهم بإلهام يجعله الله في علم رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يخفى عليه شيء من لحن كلامهم فيحصل له العلم بكل واحد منهم إذا لحن في قوله وهم لا يخلو واحد منهم من اللحن في قوله فمعرفة الرسول بكل واحد منهم حاصلة وإنما ترك الله تعريفه إياهم بسيماهم ووكله إلى معرفتهم بلحن قولهم إبقاء على سنة الله تعالى في نظام الخلق بقدر الإمكان لأنها سنة ناشئة عن الحكمة فلما أريد تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم بإطلاعه على دخائل المنافقين سلك الله في ذلك مسلك الرمز .
واللام في ( ولتعرفنهم ) لام القسم المحذوف .
A E ولحن القول : الكلام المحال به إلى غير ظاهره ليفطن له من يراد أن يفهمه دون أن يفهمه غيره بأن يكون في الكلام تعريض أو تورية أو ألفاظ مصطلح عليها بين شخصين أو فرقة كالألفاظ العلمية قال القتال الكلائي : .
ولقد وحيت لكم لكيما تفهموا ... ولحنت لحنا ليس بالمرتاب كان المنافقون يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم بكلام تواضعوه فيما بينهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذهم بظاهر كلامهم فنبهه الله إليه فكان بعد هذا يعرف المنافقين إذا سمع كلامهم .
( والله يعلم أعمالكم [ 30 ] ) تذييل فهو لعمومه خطاب لجميع الأمة المقصود منه التعليم وهو مع ذلك كناية عن لازمه وهو الوعيد لأهل الأعمال السيئة على أعمالهم والوعد لأهل الأعمال الصالحة على أعمالهم وتنبيه لأهل النفاق بأن الله يوشك أن يفضح نفاقهم كما قال آنفا ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ) .
واجتلاب المضارع في قوله ( يعلم ) للدلالة على أن علمه بذلك مستمر .
( ولنبلونكم حتى نعلم المجهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم [ 31 ] ) عطف على قوله ( والله يعلم أعمالكم ) . ومعناه معنى الاحتراس مما قد يتوهم السامعون من قوله ( والله يعلم أعمالكم ) من الاستغناء عن التكليف .
ووجه هذا الاحتراس أن علم الله يتعلق بأعمال الناس بعد أن تقع ويتعلق بها قبل وقوعها فإنها ستقع ويتعلق بعزم الناس على الاستجابة لدعوة التكاليف قوة وضعفا ومن عدم الاستجابة كفرا وعنادا فبين بهذه الآية أن من حكمة التكاليف أن يظهر أثر علم الله بأحوال الناس وتقدم الحجة عليهم .
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب لكل عبد مقعده من الجنة أو من النار . فقالوا : أفلا نتكل على ما كتب لنا ؟ قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له " وقرأ ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى )