ووصف الشجر وهو اسم جمع شجرة وهو مؤنث المعنى ب ( الأخضر ) بدون تأنيث مراعاة للفظ الموصوف بخلوه عن علامة تأنيث وهذه لغة أهل نجد وأما أهل الحجاز فيقولون : شجر خضراء على اعتبار معنى الجمع وقد جاء القرآن بهما في قوله ( لتأكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم ) .
والمراد بالشجر هنا : شجر المرخ " بفتح الميم وسكون الراء " وشجر العفار " بفتح العين المهملة وفتح الفاء " فهما شجران يقتدح بأغصانهما يؤخذ غصن من هذا وغصن من الآخر بمقدار المسواك وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار فتنقدح النار يقل : يجعل العفار أعلى والمرخ أسفل وقيل العكس لأن الجوهري وابن السيد في المخصص قالا : العفار هو الزند وهو الذكر والمرخ الأنثى وهو الزند . وقال الزمخشري في الكشاف : المرخ الذكر والعفار الأنثى والنار هي سقط الزند وهو ما يخرج عند الاقتداح مشتعلا فيوضع تحته شيء قابل للالتهاب من تبن أو ثوب به زيت فتخطف فيه النار .
والمفاجأة المستفادة من ( فإذا أنتم منه توقدون ) دالة على عجيب إلهام الله البشر لاستعمال الاقتداح بالشجر الأخضر واهتدائهم إلى خاصيته .
والإيقاد : إشعال النار يقال : أوقد ويقال : وقد بمعنى .
وجيء بالمسند فعلا مضارعا لإفادة تكرر ذلك واستمراره .
( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم [ 81 ] ) عطف هذا التقرير على الاحتجاجات المتقدمة على الإنسان المعني من قوله تعالى ( أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ) وذلك أنه لما تبين الاستدلال بخلق أشياء على إمكان خلق أمثالها ارتقي في هذه الآية إلى الاستدلال بخلق مخلوقات عظيمة على إمكان خلق ما دونها .
وجيء في هذا الدليل بطريقة التقرير الذي دل عليه الاستفهام التقريري لأن هذا الدليل لوضوحه لا يسع المقر إلا الإقرار به فإن البديهة قاضية بأن من خلق السماوات والأرض هو على خلق ناس بعد الموت أقدر .
وإنما وجه التقرير إلى نفي المقرر بثبوته على المقرر إن أراد إنكارا مع تحقق أته لا يسعه الإنكار فيكون إقراره بعد توجيه التقرير إليه على نفي المقصود شاهدا على أنه لا يستطيع إلا أن يقر وأمثال هذا الاستفهام التقريري كثيرة .
وقرأ الجمهور ب ( قادر ) بالباء الموحدة وبألف بعد القاف وجر الاسم بالباء المزيدة في النفي لتأكيده . وقرأه رويس عن يعقوب بتحتية بصيغة المضارع ( يقدر ) .
ولكون ذلك كذلك عقب التقرير بجواب عن المقرر بكلمة ( بلى ) التي هي لنقض النفي أي بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم .
وضمير ( مثلهم ) عائد إلى ( الإنسان ) في قوله ( أو لم ير الإنسان ) على تأويله بالناس سواء كان المراد بالإنسان في قوله ( أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ) شخصا معينا أم غير شخص فالمقصود هو وأمثاله من المشايعين له على اعتقاده وهم المشركون بمكة أي قادر على أن يخلق أمثالهم أي أجسادا على صورهم وشبههم لأن الأجسام المخلوقة للبعث هي أمثال الناس الذين كانوا في الدنيا مركبين من أجزائهم فإن إعادة الخلق لا يلزم أن تكون بجمع متفرق الأجسام بل يجوز كونها عن عدمها ولعل ذلك كيفيات فالأموات الباقية أجسادها تبث فيها الحياة والأموات الذين تفرقت أوصالهم وتفسخت يعاد تصويرها والأجساد التي لم تبق منها باقية تعاد أجساد على صورها لتودع فيها أرواحهم ألا ترى أن جسد الإنسان يتغير على حالته عند الولادة ويكبر وتتغير ملامحه ويجدد كل يوم من الدم واللحم بقدر ما اضمحل وتبخر ولا يعتبر ذلك التغير تبديلا لذاته فهو يحس بأنه هو هو والناس يميزونه عن غيره بسبب عدم تغير الروح . وفي آيات القرآن ما يدل على هذه الأحوال للمعاد ولذلك اختلف علماء السنة في أن البعث عن عدم أو عن تفريق كما أشار إليه سيف الدين الآمدي في أبكار الأفكار ومودعة فيها أرواحهم التي كانت تدبر أجسامهم فإن الأرواح باقية بعد فناء الأجساد .
وجملة ( وهو الخلاق العليم ) معترضة في آخر الكلام والواو اعتراضية أي هو يخلق خلائق كثيرة وواسع العلم بأحوالها ودقائق ترتيبها .
( إنما أمره إذا أراد أن يقول له كن فيكون [ 82 ] ) A E