ومن عجيب ما ترى العينان ... أن سؤال القبر بالسرياني .
أفتى بهذا شيخنا البلقيني ... ولم أره لغيره بعيني وقد كان المتنصرون من العرب والمتهودون منهم مثل عرب اليمن تترجم لهم بعض التوراة والإنجيل بالعربية كما ورد في حديث ورقة بن نوفل في كتاب بدء الوحي من صحيح البخاري فاستقر في نفوس المشركين من جملة مطاعنهم أن القرآن لو كان من عند الله لكان باللغة التي جاءت بها الكتب السالفة . فصارت عربيته عندهم من وجوه الطعن في أنه منزل من الله فالقصر هنا لرد كلامهم أي ما أرسلنا من رسول بلسان إلا لسان قومه المرسل إليهم لا بلسان قوم آخرين .
فموقع هذه الآية عقب آية ( كتاب أنزلناه إليك ) بين المناسبة .
وتقدير النظم : كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور وأنزلناه بلغة قومك لتبين لهم الذي أوحينا إليك وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيخرجهم من الظلمات إلى النور .
وإذا كانت صيغة القصر جارية على خلاف مقتضى الظاهر ولم يكن ردا لمقالة بعض المشركين يكن تنزيلا للمشركين منزلة من ليسوا بعرب لعدم تأثرهم بآيات القرآن ولقولهم ( قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ) وكان مناط القصر هو ما بعد لام العلة . والمعنى : ما أرسلناك إلا لتبيين لهم وما أرسلنا من رسول إلا ليبين لقومه وكان قوله ( إلا بلسان قومه ) إدماجا في الاستثناء المتسلط عليه القصر أو يكون متعلقا بفعل ( ليبين ) مقدما عليه . والتقدير : ما أرسلناك إلا لتبين لهم بلسانهم وما أرسلنا من رسول إلا ليبين لقومه بلسانهم فما لقومك لم يهتدوا بهذا القرآن وهو بلسانهم وبذلك يتضح موقع التفريع في قوله ( فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) .
واللسان : اللغة وما به التخاطب . أطلق عليها اللسان من إطلاق اسم المحل على الحال به مثل : سال الوادي .
والباء للملابسة فلغة قومه ملابسة لكلامه والكتاب المنزل إليه لإرشادهم .
والقوم : الأمة والجماعة فقوم كل أحد رهطه الذين جماعتهم واحدة ويتكلمون بلغة واحدة وقوم كل رسول أمته المبعوث إليهم إذ كان الرسل يبعثون إلى أقوامهم وقوم محمد A هم العرب وأما أمته فهم الأقوام المبعوث إليهم وهم الناس كافة .
وإنما كان المخاطب أولا هم العرب الذين هو بين ظهرانيهم ونزل الكتاب بلغتهم لتعذر نزوله بلغات الأمم كلها فاختار الله أن يكون رسوله A من أمة هي أفصح الأمم لسانا وأسرعهم أفهاما وألمعهم ذكاء وأحسنهم استعدادا لقبول الهدى والإرشاد ولم يؤمن برسول من الرسل في حياته عدد من الناس مثل الذين آمنوا بمحمد A في حياته فقد عم الإسلام بلاد العرب وقد حج مع النبي A في حجة الوداع نحو خمسين ألفا أو أكثر . وقيل مائة ألف وهم الرجال المستطيعون .
واختار أن يكون الكتاب المنزل إليهم بلغة العرب لأنها أصلح اللغات جمع معان وإيجاز عبارة وسهولة جري على الألسن مسرعة حفظ وجمال وقع في الأسماع وجعلت الأمة العربية هي المتلقية للكتاب بادئ ذي بدء وعهد إليها نشره بين الأمم .
A E وفي التعليل بقوله ( ليبين لهم ) إيماء إلى هذا المعنى لأنه لما كان المقصود من التشريع البيان كانت أقرب اللغات إلى التبيين من بين لغات الأمم المرسل إليهم هي اللغة التي هي أجدر بان يأتي الكتاب بها قال تعالى ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) . فهذا كله من مطاوي هذه الآية .
ولكن لما كان المقصود من سياقها الرد على طعنهم في القرآن بأنه نزل بلغة لم ينزل بها كتاب قبله اقتصر في رد خطئهم على أنه إنما كان كذلك ليبين لهم لأن ذلك هو الذي يهمهم .
وتفريع قوله ( فيضل الله من يشاء ) الخ على مجموع جملة ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) ولذلك جاء فعل ( يضل ) مرفوعا غير منصوب إذ ليس عطفا على فعل ( ليبين ) لأن الإضلال لا يكون معلولا للتبيين ولكنه مفرع على الإرسال المعلل بالتبيين . والمعنى أن الإرسال بلسان قومه لحكمة التبيين . وقد يحصل أثر التبيين بمعونة الاهتداء وقد لا يحصل أثره بسبب ضلال المبين لهم .
والإضلال والهدى من الله بما أعد في نفوس الناس من اختلاف الاستعداد