( وويل ) مصدر لا يعرف له فعل . ومعناه الهلاك وما يقرب منه من سوء الحالة ولأنه لا يعرف له فعل كان اسم مصدر وعومل معاملة المصادر ينصب على المفعولية المطلقة ويرفع لإفادة الثبات كما تقدم في رفع ( الحمد لله ) في سورة الفاتحة . ويقال : ويل لك وويلك . بالإضافة . ويقال : يا ويلك بالنداء . وقد يذكر بعد هذا التركيب سببه فيؤتى به مجرورا بحرف ( من ) الابتدائية كما في قوله هنا ( من عذاب شديد ) أي هلاكا ينجر لهم من العذاب الشديد الذي يلاقونه وهو عذاب النار . وتقدم الويل عند قوله تعالى ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) في سورة البقرة .
والكافرون هم المعهودون وهم الذين لم يخرجوا من الظلمات إلى النور ولا اتبعوا صراط العزيز الحميد ولا انتفعوا بالكتاب الذي أنزل لإخراجهم من الظلمات إلى النور .
و ( يستحبون ) بمعنى يحبون فالسين والتاء للتأكيد مثل استقدم واستأخر . وضمن ( يستحبون ) معنى يؤثرون لأن المحبة تعدت إلى الحياة الدنيا عقب ذكر العذاب الشديد لهم فأنبأ ذلك أنهم يحبون خير الدنيا دون خير الآخرة إذ كان في الآخرة في شقاء فنشأ من هذا معنى الإيثار فضمنه فعدي إلى مفعول آخر بواسطة حرف ( على ) في قوله ( على الآخرة ) أي يؤثرونها عليها .
وقوله ( ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ) تقدم نظيره في قوله ( أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ) في سورة الأعراف وعند قوله تعالى ( يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء ) في سورة آل عمران فأنظره هنالك .
والصد عن سبيل الله : منع الداخلين في الإسلام من الدخول فيه . شبه ذلك بمن يمنع المار من سلوك الطريق . وجعل الطريق طريق الله لأنه موصل إلى مرضاته فكأنه موصل إليه . أو يصدون أنفسهم عن سبيل الله لأنهم عطلوا مواهبهم ومداركهم من تدبر آيات القرآن فكأنهم صدوها عن السير في سبيل الله ويبغون السبيل العوجاء فعلم أن سبيل الله مستقيم قال تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) .
والإشارة في قوله ( أولئك في ضلال بعيد ) للتنبيه على أنهم أحرياء بما وصفوا به من الضلال بسبب صدهم عن سبيل الحق وابتغائهم سبيل الباطل . ف ( أولئك ) في محل مبتدأ و ( في ضلال بعيد ) خبر عنه . ودل حرف الظرفية على أن الضلال محيط بهم فهم متمكنون منه .
ووصف الضلال بالبعيد يجوز أن يكون على وجه المجاز العقلي وإنما البعيد هم الضالون أي ضلالا بعدوا به عن الحق فأسند البعد إلى سببه .
ويجوز أن يراد وصفه بالبعد على تشبيهه بالطريق الشاسعة التي يتعذر رجوع سالكها أي ضلال قوي يعسر إقلاع صاحبه عنه . ففيه استبعاد لاهتداء أمثالهم كقوله ( ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ) وقوله ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) . وتقدم في قوله ( ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) في سورة النساء .
( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم [ 4 ] ) A E إذا كانت صيغة القصر مستعملة في ظاهرها ومسلطة على متعلقي الفعل المقصور كان قصرا إضافيا لقلب اعتقاد المخاطبين فيتعين أن يكون ردا على فريق من المشركين قالوا : هلا أنزل القرآن بلغة العجم . وقد ذكر في الكشاف في سورة فصلت عند قوله تعالى ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي ) فقال : كانوا لتعنتهم يقولون : هلا نزل القرآن بلغة العجم وهو مروي في تفسير الطبري هنالك عن سعيد بن جبير أن العرب قالوا ذلك .
ثم يجوز أن يكون المراد بلغة العجم لغة غير العرب مثل العبرانية أو السريانية من اللغات التي أنزلت بها التوراة والإنجيل فكان من جملة ما موهت لهم أوهامهم أن حسبوا أن للكتب الإلهية لغة خاصة تنزل بها ثم تفسر للذين لا يعرفون تلك اللغة . وهذا اعتقاد فاش بين أهل العقول الضعيفة فهؤلاء الذين يعالجون سر الحرف والطلسمات يموهون بأنها لا تكتسب إلا باللغة السريانية ويزعمون أنها لغة الملائكة ولغة الأرواح . وقد زعم السراج البلقيني : أن سؤال القبر يكون باللغة السريانية وتلقاه عنه جلال الدين السيوطي واستغربه فقال :