" لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " نفي للغفران والهداية وهي اللطف على سبيل المبالغة التي تعطيها اللام والمراد بنفيهما نفي ما يقتضيهما وهو الإيمان الخالص الثابت . والمعنى : إن الذين تكرر منهم الارتداد وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله لأن قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم قلوب قد ضربت بالكفر ومرنت على الردة وكان الإيمان أهون شيء عندهم وأدونه حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة ونصحت توبتهم لم يقبل منهم ولم يغفر لهم لأن ذلك مقبول حيث هو بذل للطاقة واستفراغ للوسع ولكنه استبعاد له واستغراب وأنه أمر لا يكاد يكون وهكذا ترى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع لا يكاد يرجى منه الثبات . والغالب أنه يموت على شر حال وأسمج صورة . وقيل : هم اليهود آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا بالإنجيل وبعيسى . ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد A .
" بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " " بشر المنافقين " وضع بشر مكان : أخبر تهكما بهم . و " الذين " نصب على الذم أو رفع بمعنى أريد الذين أو هم الذين . وكانوا يمايلون الكفرة ويوالونهم ويقول بعضهم لبعض : لا يتم أمر محمد فتولوا اليهود . " فإن العزة لله جميعا " يريد لأوليائه الذين كتب لهم العز والغلبة على اليهود وغيرهم وقال : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون : 8 .
" وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " " أن إذا سمعتم " هي أن المخففة من الثقيلة . والمعنى أنه إذا سمعتم أي نزل عليكم أن الشأن كذا والشأن ما أفادته الجملة بشرطها وجزائها وأن مع ما في حيزها في موضع الرفع ب نزل أو في موضع النصب ب ننزل فيمن قرأ به . والمنزل عليهم في الكتاب : هو ما نزل عليهم بمكة من قوله : " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره " الأنعام : 68 ، وذلك أن المشركين كانوا يخضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزؤون به فنهى المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه . وكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكة . وكان الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون فقيل لهم إنكم إذا مثل الأحبار في الكفر " إن الله جامع المنافقين والكافرين " يعني القاعدون والمقعود معهم . فإن قلت : الضمير في قوله : " فلا تقعدوا معهم " إلى من يرجع ؟ قلت : إلى من دل عليه " يكفر بها ويستهزأ بها " كأنه قيل : فلا تقعدوا مع الكافرين بها والمستهزئين بها . فإن قلت : لم يكونوا مثلهم بالمجالسة إليهم في وقت الخوض ؟ قلت : لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين . والراضي بالكفر كافر . فإن قلت : فهلا كان المسلمون بمكة - حين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين - منافقين ؟ قلت : لأنهم كانوا لا ينكرون لعجزهم وهؤلاء لم ينكروا مع قدرتهم فكان ترك الإنكار لرضاهم " الذين يتربصون " إما بدل من الذين يتخذون وإما صفة للمنافقين أو نصب على الذم منهم " يتربصون بكم " أي ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو إخفاق " ألم نكن معكم " مظاهرين فأسهموا لنا في الغنيمة " ألم نستحوذ عليكم " ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم " ونمنعكم من المؤمنين " بأن ثبطناهم عنكم . وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبكم ومرضوا في قتالكم وتوانينا في مظاهرتهم عليكم فهاتوا نصيبا لنا بما أصبتم . وقرئ ونمنعكم بالنصب بإضمار أن قال الحطيئة : .
ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكم المودة والإخاء