أنها نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز وطلبوا الغنيمة وقالوا : نخشى أن يقول رسول الله A : من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لو يقسم يوم بدر فقال لهم النبي A : ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري فقالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا فقال A : بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم والثاني أن يكون مبالغة في النهي لرسول الله A على ما روي : أنه بعث طلائع فغنمت غنائم فقسمها ولم يقسم للطلائع فنزلت . يعني : وما كان لنبي أن يعطي قوما ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بالسوية . وسمى حرمان بعض الغزاة غلولا تغليظا وتقبيحا لصورة الأمر ولو قرئ : أن يغل من أغل بمعنى غل لجاز " يأت بما غل يوم القيامة " يأت بالشيء الذي غله بعينه يحمله كما جاء في الحديث : " جاء يوم القيامة يحمله على عنقه " وروي : " ألا لا أعرفن أحدكم يأتي ببعير له رغاء وببقرة لها خوار وبشاة لها ثغاء فينادي يا محمد يا محمد فأقول : لا أملك لك من الله شيئا فقد بلغتك " وعن بعض جفاة العرب أنه سرق نافجة مسك فتليت عليه الآية فقال : إذا أحملها طيبة الريح خفيفة المحمل . ويجوز أن يراد يأتي بما احتمل من وباله وتبعته وإثمه فإن قلت : هلا قيل : ثم يوفى ما كسب ليتصل به ؟ قلت : جيء بعام دخل تحته كل كاسب من الغال خيرا أو شرا مجزي فموفى جزاءه علم أنه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب " وهم لا يظلمون " أي يعدل بينهم في الجزاء كل جزاؤه على قدر كسبه .
" هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " " هم درجات " أي هم متفاوتون كما تتفاوت الدرجات كقوله : .
أنصب للمنية تعتريهم ... رجالي أم همو درج السيول .
وقيل : ذوو درجات والمعنى تفاوت منازل المثابين منهم ومنازل المعاقبين أو التفاوت بين الثواب والعقاب " الله بصير بما يعملون " عالم بأعمالهم ودرجاتها فمجازيهم على حسبها " لقد من الله على المؤمنين " على من آمن مع رسول الله A من قومه . وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون بمبعثه " من أنفسهم " من جنسهم عربيا مثلهم . وقيل من ولد إسماعيل كما أنه من ولده فإن قلت : مما وجه المنة عليهم في أن كان من أنفسهم ؟ قلت : إذا كان منهم كان اللسان واحدا فسهل أخذ ما يجب عليهم أخذه عنه وكانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة فكان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه والوثوق به وفي كونه من أنفسهم شرف لهم كقوله : " وإنه لذكر لك ولقومكم " الزخرف : 44 ، وفي قراءة رسول الله A وقراءة فاطمة Bها : من أنفسهم أي من أشرفهم . لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ومضر ذروة نزار بن معد بن عدنان وخندف ذروة مضر ومدركة ذروة خندف وقريش ذروة مدركة وذروة قريش محمد A . وفيما خطب به أبو طالب في تزويج خديجة Bها - وقد حضر معه بنو هاشم ورؤساء مضر - : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس . ثم إن ابن أخي هذا له نبأ عظيم وخطر جليل . وقرئ : لمن من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم . وفيه وجهان : أن يراد لمن من الله على المؤمنين منه أو بعثه إذ بعث فيهم فحذف لقيام الدلالة أو يكون إذ في محل الرفع كإذا في قولك : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما بمعنى لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه " يتلوا عليهم آياته " بعد ما كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي " ويزكيهم " ويطهرهم من دنس القلوب بالكفر ونجاسة سائر الجوارح بملابسة المحرمات وسائر الخبائث . وقيل : ويأخذ منهم الزكاة " ويعلمهم الكتاب والحكمة " القرآن والسنة بعد ما كانوا أجهل الناس وابعدهم من دراسة العلوم " وإن كانوا من قبل " من قبل بعثة الرسول " لفي ضلال " إن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية . وتقديره : وإن الشأن والحديث كانوا من قبل في ضلال " مبين " ظاهر لا شبهة فيه