" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " ما مزيدة للتوكيد والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله ونحوه " فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم " المائدة : 13 ، ومعنى الرحمة : ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق والتلطف بهم حتى أثابهم غما بغم وآساهم بالمباثة بعد ما خالفوه وعصوا أمره وانهزموا وتركوه " ولو كنت فظا " جافيا " غليظ القلب " قاسيه " لانفضوا من حولك " لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم " فاعف عنهم " فيما يختص بك " واستغر لهم " فيما يختص بحق الله إتماما للشفقة عليهم " وشاورهم في الأمر " يعني في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي لتستظهر برأيهم ولما فيه من تطييب نفوسهم والرفع من أقدارهم . وعن الحسن Bه : قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة ولكنه أراد أن يستن به من بعده . وعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم " وعن أبي هريرة Bه : ما رأيت أحدا أكثر مشاورة من أصحاب الرسول A . وقيل : كان سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم فأمر الله رسوله A بمشاورة أصحابه لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم . وقرئ : وشاورهم في بعض الأمر " فإذا عزمت " فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى " فتوكل على الله " في إمضاء أمرك على الأرشد الأصلح فإن ما هو أصلح لك لا يعلمه إلا الله لا أنت ولا من تشاور . وقرئ : فإذا عزمت بضم التاء بمعنى فإذا عزمت لك على شيء وأرشدتك إليه فتوكل علي ولا تشاور بعد ذلك أحدا .
" إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " " إن ينصركم الله " كما نصركم يوم بدر فلا أحد يغلبكم " وإن يخذلكم " كما خذلكم يوم أحد " فمن ذا الذي ينصركم " فهذا تنبيه على أن الأمر كله لله وعلى وجوب التوكل عليه . ونحوه " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده " فاطر : 2 . " من بعده " من بعد خذلانه . أو هو من قولك ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان ؛ تريد إذا جاوزته . وقرأ عبيد بن عمير : وإن يخذلكم من أخذله إذا جعله مخذولا . وفيه ترغيب في الطاعة وفيما يستحقون به النصر من الله تعالى والتأييد وتحذير من المعصية ومما يستوجبون به العقوبة بالخذلان " وعلى الله " وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه لعلمهم أنه لا ناصر سواه ولأن إيمانهم يوجب ذلك ويقتضيه . يقال غل شيئا من المغنم غلولا وأغل إغلالا إذا أخذه في خفية . يقال أغل الجازر إذا سرق من اللحم شيئا مع الجلد . والغل : الحقد الكامن في الصدر . ومنه قوله A : " من بعثناه على عمل فغل شيئا جاء يوم القيامة يحمله على عنقه " وقوله A : " هدايا الولاة غلول " وعنه : " ليس على المستعير غير المغل ضمان " وعنه : " لا إغلال ولا إسلال " ويقال : أغله إذا وجده غالا كقولك : أبخلته وأفحمته ومعنى " وما كان لنبي أن يغل " وما صح له ذلك يعني أن النبوة تنافي الغلول وكذلك من قرأ على البناء للمفعول فهو راجع إلى معنى الأول لأن معناه : وما صح له أن يوجد غالا ولا يوجد غالا إلا إذا كان غالا . وفيه وجهان : أحدهما أن يبرأ رسول الله A من ذلك وينزه وينبه على عصمته بأن النبوة والغلول متنافيان ؟ لئلا يظن به ظان شيئا منه وألا يستريب به أحد كما روى : أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر . فقال بعض المنافقين : لعل رسول الله A أخذها . وروي :