قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يذكر المؤمنين ويحملهم على التقوى والطاعة إثر تخصيص التذكر بأولي الألباب وفيه إيذان بأنهم هم أي قل لهم قولي هذا بعينه وفيه تشريف لهم بإضافتهم إلى ضمير الجلالة ومزيد اعتناء بشأن المأمور به فإن نقل عين أمر الله تعالى أدخل في إيجاب الإمتثال به وقوله تعالى : للذين أحسنوا إلى آخره تعليل للأمر أو لوجوب الإمتثال به والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو خبر مقدم وقوله سبحانه : في هذه الدنيا متعلق بأحسنوا واسم الإشارة للإحضار وقوله تبارك وتعالى : حسنة مبتدأ وتنويه للتفخيم أي للمحسنين في الدنيا حسنة في الآخرة أي حسنة والمراد بها الجنة وقوله D : وأرض الله واسعة جملة معترضة إزاحة لما عسى أن يتوهم من التعلل في التفريط بعدم التمكن في الوطن من رعاية الأوامر والنواهي على ما هي عليه وقوله تعالى : إنما يوفى الصابرون أجورهم بغير حساب .
10 .
- من تتمة الإعتراض فكأنه قيل : اتقوا ربكم فإن للمحسنين في هذه الدنيا الجنة في الأخرى ولا عذر للمفرطين في الإحسان بعدم التمكن في الأوطان فإن أرض الله تعالى واسعة وبلاده كثيرة فليتحولوا إن لم يتمكنوا عنها وليهاجروا إلى ربهم لنيل الرضوان فإن لهم في جنب ذلك ما يتقاصر عنه الجنة ويستلذ له كل محنة وكأنه لما أزاح سبحانه علتهم بأن في أرض الله تعالى سعة وقع في خلدهم هل نكون نحن ومن يتمكن من الإحسان في بلدته فارغ البال رافع الحال سواء بسواء فأجيبوا إنما يوفى الصابرون الذين صبروا على الهجرة ومفارقة المحاب والإقتداء بالأنبياء والصالحين أجرهم بغير حساب وأصله إنمات توفون أجوركم بغير حساب على الخطاب وعدل عنه إلى المنزل تنبيها على أن المقتضى لذلك صبرهم فيفيد أنكم توفون أجوركم بصبركم كما وفى أجر من قبلكم بصبرهم وهو محمول على العموم شامل للصبر على كل بلاء غير مخصوص بالصبر على المهاجرة لكنه إنما جيء به في الآية لذلك وليشمل الصابرين على ألم المهاجرة شمولا أوليا والجار والمجرور في موضع الحال إما من الأجر أي إنما يوفون أجرهم كائنا بغير حساب وذلك بأن يغرف لهم غرفا ويصب عليهم صبا وأما من الصابرين أي إنما يوفون ذلك كائنين بغير حساب عليه والمراد على الوجهين المبالغة في الكثرة وهو المراد بقول ابن عباس لا يهتدي إليه حساب الحساب ولا يعرف وجوز جعل الحال من الصابرين على معنى لا يحاسبون أصلا والمتبادر ما يفيد المبالغة في كثرة الأجر ومعنى القصر ما يوفى الصابرون أجرهم إلا بغير حساب جعل الجار والمجرور حالا من المنصوب أو المرفوع لأن القصر في الجزء الأخير وفيه من الإعتناء بأمر الأجر ما فيه وأما اختصاصه بالصابرين دون غيرهم فمن ترتب الحكم على المشتق هذا ونقل عن السدي أن قوله تعالى في الدنيا متعلق بحسنة من حيث المعنى فقيل هو حينئذ حال من حسنة ورد بأنها مبتدأ ولا يجوز الحال منه على الصحيح فإن قيل : يلتزم جعلها فاعل الظرف قيل : لا يتسنى إلا على مذهب الأخفش وهو ضعيف .
وقيل حال الضمير المستتر في الخبر لراجع إلى حسنة وقال الزمخشري : هو بيان لحسنة والتقدير هي في الدنيا والمراد بها الصحة والعافية أي للمحسنين صحة وعافية في الدنيا قال في الكشف : وإنما آثر كونه بيانا مع جواز كونه حالا عن الضمير الراجع إلى حسنة في الخبر لأن المعنى على البيان لا على التقييد بالحال وذلك لأن المعنى على هذا الوجه أن للمحسنين جزاء يسيرا في الدنيا هو الصحة والعافية وإنما توفية أجورهم