يقتضي انفصال شيء عنه تعالى وذلك يقتضي أن يكون متأثرا مقهورا لا مؤثرا قهارا تعالى عن ذلك علوا كبيرا فحيث كان جل وعلا قهارا كما هو مقتضى الألوهية استحال أن يكون له عو وجل ولد وقيل : إن القهارية منافية للزوال لأن القهار لو قبله كان مقهورا إذ المزيل قاهر له ولذا قيل سبحانه من قهر العباد بالموت .
والولد من أعظم فوائده عندهم قيامه مقام الأب بعد زواله فإذا لم يكن الزوال لم يكن حاجة إلى الولد وهذا مع كونه إلزاميا لا يخلو عن بحث كما لا يخفى .
والزمخشري جعل قوله تعالى سبحانه هو الله الخ متصلا بقوله D والذين اتخذوا من دونه أولياء الخ على أنه مقرر نفي أن يكون له تعالى ولي ونفي أن يكون له ولد ولعل بيان ذلك لا يخفى فتدبر .
وقوله سبحانه خلق السماوات والأرض بالحق إثبات لما ذكر أولا من الوحدة والقهر وفيه أيضا ما ستعمله إن شاء الله تعالى أي خلق هذا العالم المشاهد ملتبسا بالحق والصواب مشتملا على الحكم والمصالح .
وقوله تعالى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل بيان لكيفية تصرفه فيما ذكر بعد بيان الخلق فإن حدوث الليل والنهار منوط بتحريك أجرام سماوية والتكوير في الأصل هو اللف واللي من كار العمامة على رأسه وكورها والمراد على ما روي عن قتادة يغشى أحدهما الآخر وهو على ما قيل على معنى يذهب أحدهما ويغشى مكانه الآخر أي يلبسه مكانه فيصير أسود مظلما بعد ما كان أبيض منيرا وبالعكس فالمغشي حقيقة المكان ويجوز أن يكون المغشي الليل والنهار على الإستعارة ويكون المكان ظرفا والمقصود أنه لما كان أحدهما غاشيا للآخر أشبه اللباس الملفوف على لابسه في ستره إياه واشتماله عليه وتغطيه به .
وتحقيقه أن أحدهما لما كان محيطا على جميع ما أحاط به الآخر من غير أن يكون ثم شيء زائد غير الظهور والخفاء جعل إحاطته على محاط الآخر إحاطة عليه مجاز ملابسته وعبر عنها بالغشيان والتكوير للشبه المذكور .
وجوز أن يكون المراد واحد من الليل والنهار يغيب الآخر إذا طرأ عليه فشبه تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار ورجح الأول بأن فيه مع اعتبار الستر اعتبار اللي وإحاطة الأطراف ثم إن هذا لظهوره تشبيه مبذول وأن يكون المراد أن هذا يكر على هذا كرورا متتابعا فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض قيل وهو الأرجح لأنه اعتبر فيه ما اعتبر مع الأول مع النظر إلى المطرد فيه لفظ الكور فإنه لف بعد لف وهو أيضا كذلك إلا أن أكوار العمامة متظاهرة وفيما نحن فيه متعاورة وهذا لا بأس به فإن كل لية تسمى كورا حقيقة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن المعنى يحمل أحدهما على الآخر وفسر هذا الحمل بالضم والزيادة أي يزيد الليل على النهار ويضمه إليه بأن يحمل بعض أجزاء الليل نهارا فيطول النهار ويقصر الليل ويزيد النهار على الليل ويضمه إليه بأن يجعل سبحانه بعض أجزاء النهار ليلا فيطول الليل ويقصر النهار .
وإلى هذا ذهب الراغب وهو معنى واضح والآية عليه كقوله تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل في قول وذكر الفضلاء أنها على المعنى الأول فيها شيء من قوله تعالى جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر وعلى المعنى الثاني فيها شيء من قوله تعالى والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وعلى الثالث شيء من قوله سبحانه يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا وإنها يحتمل أن يكون فيها الإستعارة التبعية والمكنية