مخلوقاته من شاء كالملائكة وعيسى وذهب عليكم أن الإصطفاء ليس باتخاذ والجواب على هذا الوجه أيضا محذوف أقيم مقامه ما يفيد زيادة مبالغة وإنما لم يجعل لاصطفى هو الجواب عليه لصيرورة المعنى حينئذ لو أراد اتخاذ الولد لاصطفى من طريق الأولى وحينئذ يكون إثبات الإصطفاء هو المطلوب من الإيراد كما أن التمدح بنفي العصيان في مثال الباب هو المطلوب وليس الكلام فيه وعلى الوجهين هو من أسلوب ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتاب وجوز أن يكون المعنى في الآية لو أراد الله تعالى أن يتخذ ولدا لجعل المخلوق ولدا إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له تعالى والتالي محال للمبالغة التامة بين المخلوق والخالق والولدية تأبى تلك المباينة فالمقدم مثله ويكون قوله تعالى لاصطفى مما يخلق ما يشاء على معنى لاتخذه ابنا على سبيل الكناية وما تقدم أولى لما فيه من المبالغة التي نبهت عليها وقوله تعالى سبحانه تقرير لما ذكر من استحالة اتخاذ الولد في حقه تعالى وتأكيد له ببيان تنزهه سبحانه عنه أي تنزهه الخالص تعالى أن سبحانه مصدر من سبح إذا بعد أو أسبحه تسبيحا لائقا لأنه علم للتسبيح مقول على ألسنة العباد أو سبحوه تسبيحا لائقا بشأنه جل شأنه وقوله تعالى : هو الله الواحد القهار .
4 .
- استئناف مقرر لتنزهه عن ذلك أيضا فإن اتخاذ الولد يقتضي تبعضا وانفصال شيء من شيء وكذا يقتضي المماثلة بين الولد والوالد والوحدة الذاتية الحقيقية التي هي في أعلى مراتب الوحدة الواجبة له تعالى بالبراهين القطعية العقلية تأبى التبعض والإنفصال إباء ظاهرا لأنهما من خواص الكلم وقد اعتبر في مفهوم الوحدة الذاتية سلبه فتأبى الإتخاذ المذكور وكذا تأبى المماثلة سواء فسرت بما ذهب إليه قدماء المعتزلة كالجبائي وابنه وأبي هاشم وهي المشاركة في أخص صفات كمشاركة زيد لعمرو في الناطقية أم فسرت بما ذهب إليه المحققون من الماتريدية وهي المشاركة في جميع الصفات الذاتية كمشاركته له في الحيوانية والناطقية أم فسرت بما نسب إلى الأشعري وهو التساوي بين الشيئين كل من وجه ولعل مراده نحو ما مر على الماتريدي والأفمع التساوي من كل وجه ينتفي التعدد فينتفي التماثل بناء على ما قرروا من أن الوحدة الذاتية كما تقتضي نفي الأبعاد المقدارية تقتضي نفي الكثرة العقلية وأن التماثل يقتضي التعدد وهو يقتضي ثبوت الأجزاء المذكورة كذا قيل وفيه بحث طويل وكلام غير قليل وسنذكر بعضا منه إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الإخلاص فالأولى أن يقتصر على منافاة الوحدة الذاتية للتبعض والإنفصال لاستلزامها التركب الخارجي والحكماء والمتكلمون مجمعون على استحالته في حقه تعالى ودليلها أظهر من أن يذكر وكذا وصف القهارية يأبى اتخاذ الولد وقرر ذلك على أوجه فقيل وجه إبائها ذلك أن القهارية تقتضي الغنى الذاتي الذي هو أعلى مراتب الغنى وهو يقتضي التجرد عن المادة وتولد الولد عن الشيء يقتضيها وقيل إن القهارية تقتضي كمال الغنى وهو يقتضي كمال التجرد الذي هو البساطة من كل الوجوه فلا يكون هناك جنس وفصل ومادة وصورة وإعراض وأبعاض إلى غير ذلك مما يخل بالبساطة الكاملة الحقيقية واتخاذ الولد لما فيه من الإنفصال والمثلية مخل بتلك البساطة فيخل بالغنى فيخل بالقهارية وقد أشار سبحانه إلى أن الغنى ينافي أن يكون له سبحانه ولد بقوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه هو الغني وقيل : إن اتخاذ الولد