وهذه الكفاية كانت كما أخرج إبن جرير وإبن أبي حاتم عن قتادة بالريح والملائكة عليهم السلام وقيل : بقتل علي كرم الله تعالى وجهه عمرو بن عبدود .
وأخرج إبن أبي حاتم وإبن مردويه وإبن عساكر عن إبن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه كان يقرأ هذا الحرف وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب وفي مجمع البيان هو المروي عن أبي عبدالله رضي الله تعالى عنه ولا يكاد يصح ذلك والظاهر ما روى عن قتادة لمكان قوله تعالى : فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكأن المراد بالقتال الذي كفاهم الله تعالى إياه القتال على الوجه المعروف من تعبية الصفوف والرمي بالسهام والمقارعة بالسيوف أو القتال الذي يقتضيه ذلك التحزب والإجتماع بحكم العادة .
وفي البحر ما هو ظاهر في أن المراد كفى الله المؤمنين مداومة القتال وعودته فإن قريشا هزموا بقوة الله تعالى وعزته عزوجل وما غزوا المسلمين بعد ذلك وإلا فقد وقع قتال في الجملة وقتل من المشركين على ما روى عن إبن إسحاق ثلاثة نفر من بني عبدالدار بن قصي منبه بن عثمان بن عبيد إبن السباق بن عبدالدار أصابه سهم فمات منه بمكة ومن بني مخزوم بن يقظة نوفل بن عبدالله بن المغيرة أقتحم الخندق فتورط فيه فقتل ومن بني عامر بن لؤي من بني مالك بن حسل عمرو بن عبد ود نازله علي كرم الله تعالى وجهه كما علمت فقتله .
وروى عن إبن شهاب أنه رضي الله تعالى عنه قتل يومئذ إبنه حسل أيضا فيكون من قتل من المشركين أربعة وأستشهد من المؤمنين بسبب هذه الغزوة سعد بن معاذ وأنس بن أويس بن عتيك وعبدالله بن سهل وهم من بني عبد الأشهل والطفيل بن النعمان وثعلبة بن عثمة وهما من بني جشم بن الخزرج من بني سلمة وكعب إبن زيد وهو من بني النجار ثم من بني دينار أصابه سهم غرب فقتله قال إبن إسحاق : ولم يستشهد إلا هؤلاء الستة رضي الله تعالى عنهم وكان الله قويا على إحداث كل ما يريد جل شأنه وعزيزا 52 غالبا على كل شيء وأنزل الذين ظاهروهم أي عاونوا الأحزاب المردودة من أهل الكتاب وهم بنو قريظة عند الجمهور وعن الحسن أنهم بنو النضير وعلى الأول المعول من صياصيهم أي من حصونهم جمع صيصية وهي كل ما يمتنع به ويقال لقرن الثور والظباء ولشوكة الديك التي في رجله كالقرن الصغير وتطلق الصياصي على الشوك الذي للنساجين ويتخذ من حديد قاله أبو عبيدة وأنشد لدريد بن الصمة الجشمي : نظرت إليه والرماح تنوشه كوقع الصياصي في النسيج الممدد وتطلق على الأصول أيضا قال : أبو عبيدة إن العرب تقول : جذ الله صئصئة أي اصله .
وقذف في قلوبهم الرعب أي الخوف الشديد بحيث أسلموا أنفسهم للقتل وأهليهم وأولادهم للأسر حسبما ينطق به قوله تعالى : فريقا تقتلون وتأسرون فريقا 62 أي من غير أن يكون من جهتهم حراك فضلا عن المخالفة والإستعصاء وفي البحر أن قذف الرعب سبب لإنزالهم ولتكن قدم المسبب لما أن السرور بإنزالهم أكثر والأخبار به أهم وقدم مفعول تقتلون لأن القتل وقع على الرجال وكانوا مشهورين وكأن الإعتناء بحالهم أهم ولم يكن في المأسورين هذا الإعتناء بل الإعتناء هناك بالأسر أشد ولو قيل : وفريقا تأسرون لربما ظن قبل سماع تأسرون أنه يقال بعد تهزمون : أو نحو ذلك وقيل : قدم المفعول في الجملة الأولى لأن مساق الكلام