بكم كقوله تعالى : يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم وإذ زاغت الأبصار عطف على ما قبله داخل معه في حكم التذكير أي حين مالت الأبصار عن سننها وأنحرفت عن مستوى نظرها حيرة ودهشة .
وقال الفراء : أي حين مالت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها وبلغت القلوب الحناجر أي خافت خوفا شديدا وفزعت فزعا عظيما لا أنها تحركت عن موضعها وتوجهت إلى الحناجر لتخرج .
أخرج إبن أبي شيبة عن عكرمة أنه قال في الآية : إن القلوب لو تحركت وزالت خرجت نفسه ولكن إنما هو الفزع فالكلام على المبالغة وقيل : القلب عند الغضب يندفع وعند ألخوف يجتمع فيتقلص فيلتصق بالحنجرة وقد يفضي إلى أن يسد مخرج النفس فلا يقدر المرء أن يتنفس ويموت خوفا وقيل : إن الرئة تنتفخ من شدة الفزع والغضب والغم الشديد وإذا إنتفخت ربت وأرتفع القلب بإرتفاعها إلى رأس الحنجرة ومن ثم قيل للجبان : إنتفخ سحره وإلى حمل الكلام على الحقيقة ذهب قتادة .
أخرج عنه عبدالرزاق وإبن المنذر وإبن أبي حاتم أنه قال في الآية : أي شخصت عن مكانها فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت وفي مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال : قلنا يارسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال : نعم اللهم أستر عوراتنا وآمن روعاتنا قال : فضرب الله تعالى وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الله تعالى بالريح والخطاب في قوله تعالى : وتظنون بالله الظنونا 01 لمن يظهر الإيمان على الإطلاق والظنون جمع الظن وهو مصدر شامل للقليل والكثير وإنما جمع للدلالة على تعدد أنواعه وقد جاء كذلك في أشعارهم أنشد أبو عمرو في كتاب الألحان : إذا الجوزاء أرفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا أي تظنون بالله تعالى أنواع الظنون المختلفة فيظن المخلصون منكم الثابتون في ساحة الإيمان أن ينجز سبحانه وعده في إعلاء دينه ونصرة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ويعرب عن ذلك ما سيحكي عنهم من قولهم : هذا ما وعدنا الله ورسوله الآية أو أن يمتحنهم فيخافون أن تزل أقدامهم فلا يتحملون ما نزل بهم وهذا لا ينافي الإخلاص والثبات كما لا يخفى ويظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما حكى عنهم في قوله تعالى : وإذ يقول المنافقون الآية وأخرج إبن جرير وإبن أبي حاتم عن الحسن أنه قال في الآية : ظنون مختلفة ظن المنافقون أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه يسأصلون وأيقن المؤمنون أن ما وعدالله ورسوله حق وأنه سيظهر على الدين كله وقد يختار أن الخطاب للمؤمنين ظاهرا وباطنا وإختلاف ظنونهم بسبب أنهم يظنون تارة أن الله سبحانه سنصرهم على الكفار من غير أن يكون لهم إستيلاء عليهم أولا وتارة أنه عزوجل سنصر الكفار عليهم فيستولون على المدينة ثم ينصرهم عليهم بعد وأخرى أنه سبحانه سينصر الكفار بحيث يستأصلونهم وتعود الجاهلية أؤ بسبب أن بعضهم يظن هذا وبعضهم يظن ذاك وبعضهم يظن ذلك ويلتزم أن الظن الذي لا يليق بحال المؤمن كان من خواطر النفس التي أوجبها الخوف الطبيعي ولم يمكن البشر دفعها ومثلها عفو أو يقال : ظنونهم المختلفة هي ظن النصر بدون نيل العدو منهم شيئا وظنه بعد النيل وظن الإمتحان وعلى هذا لا يحتاج إلى الإعتذار وأياما كان فالجملة معطوفة على زاغت وصيغة المضارع لإستحضار الصورة والدلالة على الإستمرار وكتب الظنونا وكذا أمثاله من المنصوب المعرف