وإتباع أهل الكفر والطغيان فكنى عن ذلك بذكر القلبين لأن الإتباع يصدر عن الإعتقاد وهو من أفعال القلوب فكما لا يجمع قلبان في جوف واحد لا يجمع إعتقادان متضادان في قلب واحد وقيل : هو متصل بقوله تعالى : وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا من حيث أنه مشعر بوحدته عزوجل فكأنه قيل : وتوكل على الله وكفى به تعالى وكيلا فإنه سبحانه وتعالى وحده المدبر لأمور العالم ثم أشار سبحانه وتعالى إلى أن أمر الرجل الواحد لا ينتظم ومعه قلبان فكيف تنتظم أمور العالم وله إلهان وقيل : إن ذاك مسوق للتنفير عن إطاعة الكفرة والمنافقين بحكاية أباطيلهم وذكر أن قوله تعالى : ما جعل إلخ ضرب مثلا للظهار والتبني أي كما لا يكون لرجل قلبان لا تكون المظاهرة أما والمتبني إبنا وجعل المذكورات الثلاث بجملتها مثلا فيما لا حقيقة له وأرتضى ذلك غير واحد وقال الطيبي : إن هذا أنسب لنظم القرآن لأنه تعالى نسق المنفيات الثلاث عن ترتيب واحد وجعل سبحانه قوله جل وعلا : ذلكم فذلكة لها ثم حكم تعالى بأن ذلك قول لا حقيقة له ثم ذيل سبحانه وتعالى الكل بقوله تعالى : والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وتعقبه في الكشف بأن سبب النزول وقوله سبحانه بعد التذييل أدعوهم لآبائهم الآية شاهد أصدق بأن الأول مضروب للتبني ثم إنهم ما كانوا يجعلون الأزواج أمهات بل كانوا يجعلون اللفظ طلاقا فإدخاله في قرن مسئلة التبني إستطرادا هو الوجه لا أنه قول لا حقيقة له كالأول .
وأنتصر الخفاجي للجماعة فقال : لو كان مثلا للتبني فقط لم يفصل منه وكون القلبين لرجل وجعل المتبني إبنا في جميع الأحكام مما لا حقيقة له في نفس الأمر ولا في شرع ظاهر وكذا جعل الأزواج كالأمهات في الحرمة المؤبدة مطلقا من مخترعاتهم التي لم يستندوا فيها إلى مستند شرعي فلا حقيقة له أيضا فما أدعاه غير وارد عليهم لا سيما مع مخالفته لما روى عنهم إنتهى ويد الله تعالى مع الجماعة وبين الطيبي نظم الآيات من مفتتح السورة إلى ههنا فقال : إن الإستهلال بقوله تعالى : ياأيها النبي أتق الله دال على أن الخطاب مشتمل على التبنية على أمر معتني بشأنه لائح فيه معنى التهييج والإلهاب ومن ثم عطف عليه ولا تطع كما يعطف الخاص على العام وأردف النهي بالأمر على نحو قولك لا تطع من يخذلك وأتبع ناصرك ولا يبعد أن يسمى بالطرد والعكس ثم أمر بالتوكل تشجيعا على مخالفة أعداء الدين والإلتجاء إلى حريم جلال الله تعالى ليكفيه شرورهم ثم عقب سبحانه كلا من تلك الأوامر على سبيل التتميم والتذييل بما يطابقه وعلل قوله تعالى ولا تطع الكافرين والمنافقين بقوله سبحانه وتعالى وإن الله كان عليما حكيما تتميما للإرتداع أي أتق الله فيما تأتي وتذر في سرك وعلانيتك لأنه تعالى عليم بالأحوال كلها يجب أن يحذر من سخطه حكيم لا يحب متابعة حبيبه أعداءه وعلل قوله تعالى : وأتبع ما يوحى إليك من ربك بقوله تعالى : إن الله كان بما تعملون خبيرا تتميما أيضا أي أتبع الحق ولا تتبع أهواءهم الباطلة وآراءهم الزائغة لأن الله تعالى يعلم عملك وعملهم فيكافيء كلا ما يستحقه وذيل سبحانه وتعالى قوله تبارك وتعالى : وتوكل على الله بقوله تعالى : وكفى بالله وكيلا تقريرا وتوكيدا عل ىمنوال فلأن ينطق بالحق والحق أبلج يعني من حق من يكون كافيا لكل الأمور أن تفوض الأمور إليه وتوكل عليه وفصل قوله تعالى : ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه على سبيل الإستئناف تنبيها على بعض من أباطيلهم وتمحلاتهم وقوله تعالى ذلكم قولكم إلخ فذلكة لتلك الأقوال آذنت بأنها جديرة بأن يحكم عليها بالبطلان وحقيق بأن يذم قائلها فضلا عن أن يطاع ثم وصل تعالى والله يقول الحق إلخ على هذه الفذلكة بجامع التضاد على منوال ما سبق في ولا تطع وأتبع وفصل قوله تعالى : أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وقوله تعالى : النبي إلخ وهلم جرا إلى آخر السورة تفصيلا لقول الحق والإهتداء إلى