فتأثموا على تقدير الخصوص وجملة مستطردة على تقدير العموم وتعقب بأنه تكلف عنه مندوحة وظاهر الآية حرمة تعمد دعوة الإنسان لغير أبيه ولعل ذلك فيما إذا كانت الدعوة على الوجه الذي كان في الجاهلية وأما إذا لم تكن كذلك كما يقول الكبير للصغير على سبيل التحنن والشفقة ياإبني وكثيرا ما يقع ذلك فالظاهر عدم الحرمة .
وفي حواشي الخفاجي على تفسير البيضاوي النبوة وإن صح فيها التأويل كالأخوة لكن نهى عنها بالتشبيه بالكفرة والنهي للتنزيه إنتهى ولعله لم يرد بهذا النهي ما تدل عليه الآية المذكورة فإن ما تدل عليه نهى التحريم عن الدعوة على الوجه الذي كان في الجاهلية والأولى أن يقال في تعليل النهي : سدا لباب التشبه بالكفرة بالكلية وهذا الذي ذكره الخفاجي من كراهة قول الشخص لولد غيره ياإبني حكاه لي من أرتضيه عن فتاوي إبن حجر الكبرى وحكم التبني بقوله : هو إبني إن كان عبدا للقائل العتق على كل حال ولا يثبت نسبه منه إلا إذا كان مجهول النسب وكان بحيث يولد مثله لمثله ولم يقر قبله بنسب من غيره وعند الشافعي لا عبرة بالتبني فلا يفيد العتق ولا ثبوت النسب وتحقيق ذلك في موضعه ثم الظاهر أنه لا فرق إذا لم يعرف الأب بين أن يقال ياأخي وإن يقال ياكولاي في أن كلا منهما مباح مطلقا حينئذ لكن صرح بعضهم بحرمة أن يقال للفاسق يامولاي لخبر في ذلك وقيل : لما أن فيه تعظيمه وهو حرام ومقتضاه أن قول ياأخي إذا كان فيه تعظيم بأن كان من جليل الشأن حرام أيضا فلعل الدعاء لغير معروف الأب بما ذكر مخصوص بما إذا لم يكن فاسقا ودليل التخصيص هو دليل حرمة تعظيم الفاسق فتدبر وكذا الظاهر أنه لا فرق في أمر الدعوة بين كون المدعو ذكرا وكونه إنثى لكن لم نقف على وقوع التبني للإناث في الجاهلية والله تعالى أعلم وكان الله غفورا فيغفر للعامد إذا تاب رحيما 5 ولذا رفع سبحانه الجناح عن المخطيء ويعلم من الآية أنه لا يجوز إنتساب الشخص إلى غير أبيه وعد ذلك بعضهم من الكبائر لما أخرج الشيخان وأبو داؤد عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : من إدعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه أبيه فالجنة عليه حرام .
وأخرج الشيخان أيضا من إدعى إلى غير أبيه أو إنتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله تعالى والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله تعالى منه صرفا ولا عدلا وأخرجا أيضا ليس من رجل إدعى لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر .
وأخرج الطبراني في الصغير من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديثه حسن قال : قال رسول الله كفر من تبرأ من نسب وأن دق أو إدعى نسبا لا يعرف إلى غير ذلك من الأخبار هذا ومناسبة قوله تعالى : ما جعل الله إلخ لما قبله أنه شروع في ذكر شيء من الوحي الذي أمر في إتباعه كذا قيل وقيل : إنه تعالى لما أمر بالتقوى كان من حقها أن لا يكون في القلب تقوى غير الله تعالى فإن المرء ليس له قلبان يتقي بأحدهما الله تعالى وبالآخر غيره سبحانه إلا بصرف القلب عن جهة الله تعالى إلى غيره جل وعلا ولا يليق ذلك بمن يتقي الله تعالى حق تقاته وعن أبي مسلم أنه متصل بقوله تعالى : ولا تطع الكافرين والمنافقين حيث جيء به للرد عليهم والمعنى ليس لأحد قلبان يؤمن بأحدهما ويكفر بالآخر وإنما هو قلب واحد فإما أن يؤمن وإما أن يكفر وقيل : هو متصلبلا تطع وأتبعوالمعنى أنه لا يمكن الجمع بين إتباعين متضادين إتباع الوحي والقرآن