الروايات أن أباه سمع أنه بمكة فأتاه هو وعمه وأخوه فكان ما كان هو أقسط عند الله تعليل للأمر والضمير لمصدر أدعوا كما في قوله تعالى : أعدلوا هو أقرب للتقوى و أقسط أفعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل والمراد به البالغ ف الصدق فأندفع ما يتوهم من أن المقام يقتضي ذكر الصدق لا العدل أي دعاؤكم إياهم لآبائهم بالغ في العدل والصدق وزائد فيه في حكم الله تعالى وقضائه عزوجل .
وجوز أن يكون أفعل على ما هو الشائع فيه والمعنى أعدل مما قالوه ويكون جعله ذا عدل مع أنه زور لا عدل فيه أصلا على سبيل التهكم فإن لم تعلموا أي تعرفوا آباءهم فتنسبوهم إليهم فإخوانكم أ يفهم إخوانكم في الدين ومواليكم أي وأولياؤكم فيه فأدعوهم بالأخوة والمولوية بتأويلهما بالأخوة والولاية في الدين وبهذا المعنى قيل لسالم بعد نزول الآية مولى حذيفة وكان قد تبناه قبل وقيل : مواليكم أي بنوا أعمامكم وقيل : معتقوكم ومحرروكم وكأن دعاءهم بذلك لتطييب قلبوهم ولذا لم يؤمر بدعائهم بأسمائهم فقط .
وليس عليكم جناح أي إثم فيما أخطأتم به أي فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل النهي ولكن ما تعمدت قلوبكم أي ولكن الجناح والإثم فيما تعمدتموه بعد النهي على أن ما في محل الجر عطفا على ما من فيما أخطأتم وتعقب بأن المعطوف المجرور لا يفصل بينه وبين ما عطف عليه ولذا قال سيبويه في قولهم ما مثل عبدالله يقول ذلك ولا أخيه : إنه حذف المضاف من جهة المعطوف وأبقى المضاف إليه على إعرابه والأصل ولا مثل أخيه ليكون العطف على المرفوع وأجيب بالفرق بين ما هنا والمثال وإن لا فصل فيه لأن المعطوف هو الموصول مع صلته أعني ما تعمدت على مثله أعني ما أخطأتم أو ولكن ما تعمدتم فيه الجناح على أن ما في موضع رفع على الإبتداء وخبره جملة مقدرة ونسبة التعمد إلى القلوب على حد النسبة في قوله تعالى : فإنه آثم قلبه وكون المراد في الأول قبل النهي وفي الثاني بعده أخرجه الفريابي وإبن أبي شيبة وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم عن مجاهد وقيل : كلا الأمرين بعد النهي والخطأ مقابل العمد والمعنى لا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يابني على سبيل الخطأ وعدم التعمد كأن سهوتم أو سبق لسانكم ولكن الإثم عليكم إذا قلتم ذلك متعمدين وأخرج إبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية : لو دعوت رجلا لغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه لم يكن عليك بأس ولكن ما تعمدت وقصدت دعاءه لغير أبيه .
وجوز أن يراد بقوله تعالى : وليس عليكم جناح إلخ العفو عن الخطأ دون العمد على طريق العموم لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إني لست أخاف عليكم الخطأ ولكن أخاف عليكم العمد وحديث إبن عباس قال : قال E وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وماأكرهوا عليه ثم تناول لعمومه خطأ التبني وعمده والجملة على تقديري الخصوص والعموم واردة على سبيل الإعتراض التذييلي تأكيدا لإمتثال ما نبدوا إليه مع إدماج حكم مقصود في نفسه وجعلها بعضهم عطفا مؤولا بجملة طلبية على معنى أدعوهم لآبائهم هو أقسط لكم ولا تدعوهم لأنفسكم متعمدين