يحتمل أن يكون في موضع رفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره أعدل أو امضى قولا أو نحو هذا مما يدل عليه لفظ شهيدا ويراد بذلك الله تعالى وفيه من البعد مالا يخفى والعلم في القراءة التي وقع عنده فيها صلة مرفوع بالمقدر في الظرف فيكون فاعلا لأن الظرف إذا وقع صلة أو غل في شبه الفعل لاعتماده على الموصول فعمل عمل الفعل كقولك : مررت بالذي في الدار أخوه فأخوه فاعل كما تقول : بالذي استقر في الدار أخوه قاله الزمخشري وليس بالمتحتم لأن الظرف وشبهه إذا وقعا صلتين أو صفتين أو حالين أو خبرين أو تقدمهما أداة نفي أو استفهام جاز فيما بعدهما من الاسم الظاهر أن يرتفع على الفاعلية وهو الأجود وجاز أن يكون مبتدأ والظرف أو شبهه في موضع الخبر والجملة من المبتدأ والخبر صلة أو صفة أو حال أو خبر وهذا مبني على اسم الفاعل فكما جاز ذلك فيه وإن كان الاحسن اعماله في الاسم الظاهر فكذلك يجوز فيما ناب عنه من ظرف أو مجرور وقد نص سيبويه على اجازة ذلك في نحو مررت برجل حسن وجهه فاجاز رفع حسن على أنه خبر مقدم وقد توهم بعضهم أن اسم الفاعل إذا اعتمد على شيء مماذكر تحتم أعماله في الظاهر وليس كذلك وقد أعرب الحوفي عنده علم الكتاب مبتدأ وخبرا في صلة من وهو ميل إلى المرجوح وفي الآية على القراءتين بمن الجارة دلالة على أن تشريف العبد بعلوم القرآن من احسان الله تعالى اليه وتوفيقه نسأل الله تعالى أن يشرفنا بهاتيك العلوم ويوفقنا للوقوف على أسرار مافيه من المنطوق والمفهوم ويجعلنا ممن تمسك بعروته الوثقى واهتدى بهداه حتى لايضل ولا يشفى ببركة النبي صلى الله عليه وسلّم .
هذا ومن باب الاشارة في الآيات الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق قيل : عهد الله تعالى مع المؤمنين القيام له سبحانه بالعبودية في السراء والضراء والذين يصلون ماأمر الله به أن يوصل فيصلون بقلوبهم محبته وبأسرارهم مشاهدته سبحانه وقربته ويخشون ربهم عند تجلي الصفات في مقام القلب فيشاهدون جلال صفة العظمة ويلزمهم الهيبة والخشية ويخافون سوء الحساب عند تجلي الافعال في مقام النفس فينظرون إلى البطش والعقاب فيلزمهم الخوف .
وسئل ابن عطاء ما الفرق بين الخشية والخوف فقال : الخشية من السقوط عن درجات الزلفى والخوف من اللحوق بدركات المقت والجفا وقال بعضهم : الخشية أدق والخوف أصلب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم صبروا عما دون الله تعالى بالله سبحانه لكشف أنوار وجهه الكريم أو صبروا في سلوك سبيله سبحانه عن المألوفات طلبا لرضاه وأقاموا الصلاة صلاة المشاهدة أو اشتغلوا بالتزكية بالعبادات البدنية وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية أفادوا مما مننا عليهم من الاحوال والمقامات والكشوف وهذبوا المريدين حتى صار لهم ما صار لهم ظاهرا وباطنا أو اشتغلوا بالتزكية بالعبادات المالية أيضا ويدرءون بالحسنة الحاصلة لهم من تجلي الصفة الالهية السنية السيئة التي هي صفة النفس وقال بعضهم : يعاشرون الناس بحسن الخلق فان عاملهم أحد بالجفاء قابلوه بالوفاء أولئك لهم عقبى الدار البقاء بعد الفناء أو العاقبة الحميدة جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم قيل : يدخلون جنة الذات ومن صلح من آباء الارواح ويدخلون جنة الصفات بالقلوب ويدخلون جنة الافعال ومن صلح من أزواج النفوس وذريات القوى أو يدخلون جنات القرب والمشاهدة والوصال ومن صلح من المذكورين تبع لهم ولأجل عين ألف