وهو يوم غدير خم ومن صام يوم ثمانى عشرة من ذى الحجة كتب الله تعالى له صيام ستين شهرا وهو حديث منكرا جدا ونص فى البداية والنهاية على أنه موضوع وقد اعتنى بحديث الغدير أبو جعفر بن جرير الطبرى فجمع فيه مجلدين أورد فيهما سائر طرقه وألفاظه وساق الغث والسمين والصحيح والسقيم على ماجرت به عادة كثير سن المحدثين فانهم يوردون ماوقع لهم فى الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عسكر أورد أحاديث كثيرة فى هذه الخطبة والمعول عليه فيها ماأشرنا إليه ونحوه مما ليس فيه خبر الاستخلاف كما يزعمه الشيعة وعن الذهبى أن من كنت مولاه فعلى مولاه متواتر يتقين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله وأما اللهم وال من والاه فزيادة قوية الاسناد وأما صيام ثمانى عشرة ذى الحجة فليس بصحيح ولا والله نزلت تلك الآية إلايوم عرفة قبل غدير خم بأيام .
والشيخان لم يرويا خبر الغدير فى صحيحهما لعدم وجدانهما له على شرطهما وزعمت الشيعة أن ذلك لقصور وعصبية فيهما وحاشاهما من ذلك ووجه استدلال الشيعة بخير من كنت مولاه فعلى مولاه أن المولى بمعنى الأولى بالتصرف وأولوية التصرف عين الامامة ولايخفى أن أول اللفظ فى هذا الاستدلال جعلهم المولى بمعنى الأولى وقد أنكر ذلك أهل العربية قاطبة بل قالوا : لم يجىء مفعل بمعنى أفعل أصلا ولم يجوز ذلك إلا أبو زيد اللغوى متمسكا بقول أبى عبيدة فى تفسير قوله تعالى : هى مولاكم أى أولى بكم .
ورد بأنه يلزم عليه صحة فلان مولى من فلان كما يصح فلان أولى من فلان واللازم باطل إجماعا فالملزوم مثله وتفسير أبى عبيدة بيان لحاصل المعنى يعنى النار مقركم ومصيركم والموضع اللائق بكم وليس نصا فى أن لفظ المولى ثمة بمعنى الأولى والثانى أنا لو سلمنا أن المولى بمعنى الأولى ليلزم أن يكون صلته بالتصرف بل يحتمل أن يكون المراد أولى بالمحبة وأولى بالتعظيم ونحو ذلك وكم جاء الأولى فى كلام لايصح معه تقدير التصرف كقوله تعالى : ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى والذين آمنوا على أن لنا قرينتين على ا المراد من الولاية من لفظ المولى أو الأولى : المحبة إحداهما ماروينا عن محمد بن إسحق فى شكوى الذين كانوا مع الأمير كرم الله تعالى وجهه فى اليمن كبريد الأسلمى وخالد بن الوليد وغيرهما ولم يمنع صلى الله عليه و سلم الشاكين بخصوصهم مبالغة فى طلب موالاته وتلطفا فى الدعوة اليها كما هو الغالب فى شأنه صلى الله عليه و سلم فى مثل ذلك وللتلطف المذكور افتتح الخطبة صلى الله عليه و سلم بقوله : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وثانيهما قوله E على مافى بعض الروايات : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فانه لوكان المراد من المولى المتصرف فى الأمور أو الأولى بالتصرف لقال E : اللهم وال من كان فى تصرفه وعاد من لم يكن كذلك فحيث ذكر صلى الله عليه و سلم المحبة والعداوة فقد نبه على أن المقصود ايجاب محبته كرم الله تعالى وجهه والتحذير عن عداوته وبغضه لا التصرف وعدمه ولو كان المراد الخلافة لصرح صلى الله عليه و سلم بها .
ويدل لذلك مارواه أبو نعيم عن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضى الله تعالى عنهما أنهم سألوه عن هذا الخبر هل هو نص على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه فقال : لوكان النبى صلى الله عليه و سلم أراد خلافته لقال : أيها الناس هذا ولى أمرى والقائم عليكم بعدى فاسمعوا وأطيعوا ثم قال الحسن : أقسم بالله سبحانه أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم لوا آثرا عليا لأجل هذا الأمر ولم يقدم