التثقيف وسيلة فكرية وعملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية «مشاريع عملية ثقافية تقريبية نموذجًا»

التثقيف وسيلة فكرية وعملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية «مشاريع عملية ثقافية تقريبية نموذجًا»

التثقيف وسيلة فكرية وعملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية
«مشاريع عملية ثقافية تقريبية نموذجًا»

 

 أ.د. محمد علي آذرشب
أستاذ في جامعة طهران

مقدمة
التثقيف والتحضّر والإحياء والتقريب مفردات تجمعها منظومة فكرية واحدة هي حركة الإنسان والمجموعة الإنسانية نحو الله سبحانه وتعالى.
ولتوضيح هذا الارتباط نبدأ بذكر معنى الثقافة وارتباطها بالحضارة ثم نبين معنى الإحياء وعلاقته بالتطور الحضاري، ومكانة التقريب في هذه المنظومة، ونقدّم مثالاً لمحاولات عملية ثقافية عملية للتقريب.

الثقافة
الثقافة التي نقصدها هذا المقال هي مجموعة ما في المجتمع من أفكار ومعتقدات وعادات وتقاليد وما يسوده من علاقات اجتماعية وسلوك فردي وجمعي: ومن الطبيعي أن كل مجتمع بهذا المعنى له ثقافة، فلا يخلو مجتمع من المفردات التي ذكرناها لمعنى الثقافة، غير أن ثقافات الشعوب تختلف من حيث تصورها للكون والحياة، وتختلف أيضًا من حيث وجود العناصر المحركة الفاعلة فيها.
من حيث التصور ثمة ثقافات تقصي الجانب الروحي من الإنسان، ومنها ما يأخذ بنظر الاعتبار الجانبين الروحي والمادي منه.
أما من حيث العناصر المحركة الفاعلة، فمن الثقافات ما يفتقد هذه العناصر، فتكون الثقافة عندئذ راكدة، ومنها ما يمتلك هذه العناصر فتكون الثقافة متحركة بمقدار فاعلية تلك العناصر.

الحضارة
نقصد بالحضارة في هذا المقال نتاج النشاط الإنساني من خلال حركته الثقافية، على الصعيدين المعنوي والمادي.
من الطبيعي أن المجموعة البشرية التي تتحرك في إطار ثقافة مادية لا تنتج سوى الحضارة المادية. وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذا النوع من الحضارة، ويرى أنها تقوم على «العبث» و«البطش» يقول سبحانه: )أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ،وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(.
أما الثقافة التي تأخذ بنظر الاعتبار الجانبين الروحي والمادي فتنتج الحضارة الإنسانية التي تحقق الحياة الطيبة وتهدي السفينة إلى ساحل الأمان ودار السلام([1]).
في معرض حديثنا عن الحضارة نقف عند ملاحظتين:
الأولى: إن الدعوة الإسلامية قامت على أساس عملية تثقيفية في إطار تصور يجمع بين الجانبين الروحي والمادي ولذلك انتجت حضارة إنسانية تجمع بين العلوم الإنسانية والمادية، وبتعبير آخر بين علوم الدين والدنيا، دون أي إفراط في جانب على الجانب الآخر، يدل على ذلك فهارس علماء الإسلام وتخصصاتهم المختلفة على مرّ التاريخ.
الثاني: إن الحضارة الإسلامية التي أفلت لأسباب تاريخية معروفة لم تتحول إلى حضارة أثرية كالحضارات التي بادت في التاريخ مثل الحضارة البابلية والآشورية والفرعونية.. بل هي حضارة يمكن أن تعود إلى الحياة على مستوى متطلبات العصر إن توفّرت لها الظروف الثقافية التي أدت إلى ازدهارها في القرون الأولى، أي ان توفّرت لها ظروف الإحياء.

الإحياء
يمكن تلخيص أهداف الأديان السماوية بكلمة واحدة وهي «الإحياء»: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ[.
الإنسان في النظرة الدينية مخلوق من «طين» ويرمز إلى الجانب الحيواني من الموجود البشري، وفي هذا الطين «نفخة روح رب العالمين» ]فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ[ وهذه النفخة هي الجانب السامي من الإنسان، وبها استحقّ أن يكون مسجود الملائكة.
والإحياء في المدرسة الدينية يعني تفعيل هذا الجانب المتسامي من الإنسان، كي يتحرك نحو كماله المنشود، ولكي تتفجر كل الطاقات المعنوية والمادية المودعة في فطرة هذا الإنسان. بعبارة أخرى تفعيل الجانب المتسامي يعني توجيه الإنسان نحو بناء حضارة إنسانية شاملة.
أكبر مشكلة تعتري البشر على طريق تكاملهم هو تضخّم الصفات المنبعثة من «الطين»، بحيث تغطّي على «نفخة روح ربّ العالمين».
وإذا تضخّمت صفات الطين، أو النزعات الغريزية الهابطة في الإنسان، يبقى هذا الموجود البشري في دائرة «ذاتيته» و«أنانيته» لا يفكّر إلاّ بمصالحه الضيقة وبإشباع غرائزه الهابطة. وبذلك يصبح مُثقلاً بركام تلك الصفات والنزعات، ويبقى مقيدًا بالأغلال التي تمنعه من الحركة التكاملية. ولذلك فإن مهمّة الرسول هي أنه: ]يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ  وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ[.
الإنسان القابع في ذاتيته مثل دودة تعيش في الأوحال بين الظلمات، فهو بعيد عن الله، ويعبد طاغوت النفس. والمؤمن يعيش في النور، ويتحرك نحو «الله»: ]اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إلى الظُّلُمَاتِ[.
كل المصلحين السائرين على طريق الأنبياء يحملون رسالة «الإحياء» ويمارسون مهمتهم حسب ما تقتضى ظروفهم.
يقول الشهيد مرتضى مطهّري: ([2])
«القرآن يتحدث في كثير من آياته عن الحياة ومراتبها النباتية والحيوانية والإنسانية، وسنقتصر في حديثنا على وجهة النظر القرآنية حول الحياة الإنسانية.
القرآن في حديثه عن الحياة الإنسانية يتجاوز المظاهر البيولوجية للحياة كحركة القلب ودوران الدم ونظائرها. فهذه الحياة حيوانية لا تستطيع وحدها أن توضح الإطار الإنساني للحياة. وثمة نوع آخر من الحياة ينبغي أن يتزوّد به الإنسان كي يتمتع بالحياة الإنسانية، وقد يفتقد شخص هذه الحياة وهو يتمتع بكامل مظاهر الحياة البيولوجية. من هنا قال القرآن ﴿ليُنذر مَنْ كان حيًّا﴾.
وهذا التعبير القرآني يوحي بتقسيم الناس إلى فئتين: حية وميتة. ويقول إن النداء الإلهي يجد طريقه إلى قلوب الذين لا تزال فيهم بقايا حياة. أما الذين افتقدوا الحياة فلا أثر للإنذار الإلهي عليهم.
القرآن يمثّل للحركة على طريق الله وللحركة على غير طريق الله، فيركّز على خصائص الحياة والنماء في الحركة الأولى، والجدب والموات والضلال في الحركة الثانية فيقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ، وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾».
ويقول في موضع آخر:
﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾.
الحياة التي يتحدث عنها القرآن هنا ليست بالحياة البيولوجية، بل حياة إنسانية، يخرج الإنسان بها من الظلمات البهيمية إلى نور الهداية الإلهية، ومن ظاهرة الموت التي تجعل الإنسان أرضًا صلدة غير قابلة لتقبل كلمة الحق، إلى ظاهرة الحياة التي تحوّل الإنسان إلى تربة صالحة لحمل الرسالة الإلهية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
لكن هذه الاستجابة لا تتحقق فيمن انعدمت فيه كل مظاهر الحياة الإنسانية: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾».
الإحيائيون على مرّ التاريخ الإسلامي نهضوا بمهمة إيقاظ المسلمين واستنهاضهم وكان على رأس هؤلاء أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم. وفي تاريخنا المعاصر نهض إحيائيون عظام بهذه المهمة من أمثال: السيد جمال الدين الأسد آبادي، وعبدالرحمن الكواكبي، ومالك بن نبي، وإقبال اللاهوري، وعبد الحميد بن باديس، وأبو الأعلى المودودي، ومحمد باقر الصدر، ومرتضى مطهري، وروح الله الموسوي الخميني، والسيد علي الخامنئي.

التقريب:
التقريب في فهمنا هو التوجّه النفسي نحو تجاوز الخلافات والبحث عن المشتركات.
هذه الحالة النفسية هي إفراز للثقافة المتحركة الإحيائية.. ولا يمكن أن تتحقق الاّ في جوّ حضاري. في مثل هذا الجوّ ترتفع تطلعات الإنسان إلى آفاق بعيدة وأهداف كبيرة، «وتصغر في عين العظيم العظائم».
ثم إنّ الإحياء يتجّه إلى ارتباط أعضاء الجسد الحي برباط عضوي، «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وفي حالة ضمور الحياة يضعف هذا الارتباط ويضمر.
من هنا نرى الإحيائي تقريبيين أيضًا، وهذا ما ثبت لدينا من خلال دراستنا لمسيرة التقريب في القرن الماضي([3]).

عناصر الحراك الثقافي
ما هي العناصر التي تجعل الثقافة متحركة باعثة على الإنتاج الحضاري؟
هذا سؤال كبير شغل أذهان الإحيائيين جميعهم، وسعوا إلى الإجابة عنه من زوايا مختلفة ونذكر بعض هذه الآراء:
ارتباط الإنسان بالله تعالى ـ كما أراده سبحانه ـ هو في المفهوم الديني: رجوع إلى الله، وحركة بل فرار إلى الله، واستجابة لنداء الله، إنه بعبارة أخرى ارتباط متحرك بالكامل المطلق سبحانه، وسير على طريق اكتساب الكمال. والإنسان بفطرته يطلب الله، وفيه شعور ملتهب للحركة نحو مصدر كماله، لكنّ الآلهة المزيفة تتعملق على طريقه فتصده عن الحركة، وواجبه في الحياة هو اتقاء هذه الآلهية، وهذا هو معنى التقوى.
لعلّ هذا هو الذي أشار إليه مولانا جلال الدين الرومي ـ وهو في رأينا من الإحيائيين ـ ([4]) في قصة الناي.
يتحدث في أول مثنوياته عن الناي الذي يشكو ويحكي عن آلام الفراق. فهذا الأنين الذي نسمعه من الناي هي أشواق لأصله الذي انتزع منه يقول:( [5])
 
بشنو از ني چون حكايت مي كند
كزنيستــــان تامرا بُبريـــده اند
أي: اسمع مــــن الناي إذ يحكي
فما إن قطعــــوني عـن مزرعة القصب  واز جدائيهــــا شكايت مي كند
در نفيــرم مــرد و زن ناليده اند
وعن فراقـــــه إذ يشكو
حتـــى بـدأت أئن ويئن معي الرجال والنساء 
فالموجود البشري يحمل أشواق العودة إلى أصله، وهو من الله، ففيه «نفخة روح ربّ العالمين» ولذلك فهو يحمل أشواق الاتجاه إلى الله.. أي الاتجاه نحو كل ما يتصف به الله من صفات الجلال والجمال.. نحو العلم والخلق والإبداع والجمال والقوّة والعزّة والكرامة والرحمة.. وهذه حقيقة الموجود البشري، والتأكيد على هذه الحقيقة فيه استشعار لعزّة الإنسان، واستثارة لأشواقه نحو الكمال.
الأنين الذي يصدر من الناي هو شوق الكمال الحضاري، وهو جوهر الإنسان، وهو «العشق» في التعبير العرفاني.
وفي هذا السياق أيضًا يطرح الإمام الشهيد محمد باقر الصدر نظريته التي تدور حول «المثل الأعلى» باعتباره العامل سبحانه هو الذي يوفر للمسيرة البشرية حركتها الصاعدة التكاملية نحو آفاق لا نهاية لها([6]).
ومن الطبيعي أن المسيرة البشرية المتجهة نحو الله تتوفر فيها العناصر التي ذكرها الإحيائيون لتفعيل المسيرة الحضارية. من ذلك:
التيموس أو العزّة بتعريفنا ـ فهو في رأي أفلاطون الطاقة المحركة لمسيرة التاريخ([7]).
والعزّة تتوفر بشكل كامل حين يشعر الإنسان بارتباطه بخالق السماوات والأرض. وإلى ذلك يشير القرآن الكريم: )مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا(.
ويتوفر فيها القضاء على الاستبداد الذي يؤدي إلى الفتور والتخلف في مسيرة الحضارة كما يرى الكواكبي ([8])، إذ ان الاستبداد ينشأ من طغيان «الذات» وتحولها إلى إله يصد الحركة إلى الله، وهو ما ينشأ من حالة الشعور بالاستغناء عن الله: )إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى( )فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(.
وفي المسيرة المتجهة إلى الله يتوفر التبادل المعرفي بين الشعوب الذي هو عنصر هام من عناصر الانتاج الحضاري، لأن التعارف هو هدف التعددية في المجتمعات البشرية: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(.
ويتوفر الانفتاح على الآخر والاستماع له، إذ إن شرط هذا الانفتاح هو تجنب الطاغوت بالتعبير القرآني:
)وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ(
ويتوفر فيها اندفاع لطلب العلم والمعرفة، استجابة لدوافع تكاملية ذاتية واستجابة لدعوة دينية )وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا( )قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(

مشاريع عملية
مجلة ثقافة التقريب:
انطلاقا من أهمية التثقيف في عملية التقريب صدرت مجلة تابعة لرسالة التقريب هي «ثقافة التقريب».
وثقافة التقريب أعلنت عن أهدافها في العدد التجريبي الأول على النحو التالي:
1- تقديم مفاهيم التقريب وقضاياه باختصار، ومحاولة تطوير الأسلوب لينسجم مع حجم المقال والذوق الأدبي.
2- التركيز على الجوانب العملية القائمة في الساحة وفي الأذهان بشأن وحدة الأمة الإسلامية.
3- التوجّه إلى الثقافة العامّة للتنوير ولمعالجة الإشكاليات على ساحة أوسع من المهتمين بقضايا الأمة.
4- ربط قضية التقريب بالمشروع الكبير للأمة وهو تفعيل ثقافتها وتوجيه حركتها نحو استعادة وجودها الحضاري.
حاولت النشرة التي صدر منها أخيرًا العدد (45) أن تقدم ما يرتبط بنشر ثقافة التقريب من خلال مقالات موجزة، وبلغة نحسب أنها بعيدة عن التعقيد والتخصص .
فقد رصدت كلمات القيادة الإسلامية في إيران ضمن إطار توجهاتها، ووقفت عند مفردات الإبداع والابتكار والوحدة الوطنية والانسجام الإسلامي واستعادة الهوية والاستئناف الحضاري ودور آل البيت في توحيد المسلمين ومحاربة البدع في ذكرى عاشوراء وقضية فلسطين وأمثالها.
كما ركزت في مقالاتها على:
ـ إبراز الشخصيات التقريبية ومشاريعهم.
ـ الأفكار التقريبية التي تبين أن التقريب فريضة وضرورة.
ـ عوامل الوحدة وأسباب التفرقة.
ـ دور الأدب الإسلامي في إيقاظ الشعور.
ـ دور الأدب الإسلامي في بيان وحدة الخطاب في الدائرة الحضارية الإسلامية، وفي أزالة الحساسيات القومية.
ـ إزالة الشبهات القائمة على طريق التقريب.
ـ عوامل التخلف الحضاري وسبل تجاوزها.
ـ التربية الروحية ودورها في توحيد القلوب.
ـ التجارب التقريبية في القرن الماضي.
ـ دور مدرسة آل البيت في توحيد صفوف المسلمين
ـ معنى الحياة في المفهوم الإسلامي ومشاريع الإحياء
ـ الحج ودوره في توحيد الأمة
كما خصصت أعداداً لشخصيات تقريبية حضارية بمناسبة وفاتهم أو ذكرى وفاتهم:
مثل: الإمام الخميني، والشهيد مرتضى مطهري، والسيد مرتضى العسكري، والدكتور عبد الوهاب المسيري، والدكتور جعفر شهيدي، والسيد محمد حسين فضل الله.

مركز الدراسات الثقافية الإيرانية العربية
بدعم من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية تم تأسيس هذا المركز، وقد يطرح سؤال في هذا الشأن هو:
لماذا التعاون بين «التقريب المذهبي» و«التقريب القومي»؟
الغزو الاستعماري استثمر هاتين القضيتين: الطائفية والقومية معًا لإبعاد إيران عن دائرة الحضارة الإسلامية. وراح المستشرقون يؤلفون ويكتبون في «فارسية التشيّع» من أمثال دوزي، وفان فلوتن، وبراون، وولهاوزن، وبروكلمان ([9]).
وحذا حذوهم تلامذة المستشرقين من العرب والإيرانيين. ومن الطريف أن العنصريين من العرب والإيرانيين يجتمعون حول هذا المحور (محور فارسية التشيّع)، أولئك للطعن بالإيرانيين والتشيّع. وهؤلاء للثناء على الإيرانيين، ذاهبين ـ بزعمهم ـ إلى أن الإيرانيين تخلّصوا من المذهب الذي أراد العرب أن يفرضوه عليهم، ببلورة مذهب يتناسب مع ثقافتهم (كذا).
هذه الدعوى راجت بين العرب والإيرانيين، وتوغلت إلى الإعلام بل حتى إلى الكتب الدراسية، مما حدى بالمبدئيين العرب إلى الردّ عليها نظير ما فعل الدكتور أحمد الوائلي في كتاب: هوية التشيع، وهكذا فعل الإيرانيون المبدئيون من أمثال مرتضى مطهري في كتابه: الخدمات المتبادلة بين إيران والإسلام (بالفارسية).
هذا التعمّد في إضفاء الصفة الفارسية على التشيّع نجد آثاره بشكل أوضح لدى جارة إيران (العراق)، فقد حاول بعض المتعصبين القوميين في هذا البلد إلى هذا النوع من الإثارات الطائفية العنصرية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي.
ويحدثنا الشاعر محمد مهدي الجواهري في كتابه ذكرياتي ([10]) عن جانب من الحرب التي شُنّت على الشيعة باسم العروبة!!
وليست ببعيدة عنا «قادسية»!! صدام حسين التي شنّ فيها حربًا لثماني سنوات على الجمهورية الإسلامية باسم محاربة «الفرس المجوس». والكلمتان تجمعان بين الإثارة العنصرية والطائفية.
ولا يزال الدافع العنصري القومي يلعب دورًا واضحًا في تأجيج الصراع الطائفي، وفي اتخاذ المواقف بين العامة بل وبين الخاصة أيضًا من أتباع المذهبين.
من هنا كان لابدّ من الاهتمام بنزع فتيل التعصّب القومي إلى جانب العمل على التقريب المذهبي، لما نرى في التعصب القومي من أثر واضح في تغذية التعصب الطائفي.

توضيح حول مركز الدراسات الثقافية الإيرانية العربية
هذا المركز تأسس عام 1416هـ/ 1996م وحينها أعلن عن نفسه وأهدافه على النحو التالي:
كان بين العرب والإيرانيين منذ أقدم العصور علاقات مشتركة في إطار الجوار الجغرافي والمصالح المشتركة، ثم جاء الإسلام ليزيل الحواجز القومية، وليعلن عن ولادة أمة ترفض كل تمايز في عنصر أو لون أو لغة وإقليم، وتتبنى أهدافًا رسالية إنسانية سامية .. فحدث التفاعل الكبير بين ثقافات المسلمين، ونشأت الحضارة الإسلامية، وتواصل هذا التفاعل حتى بدأ منحني مسيرة الأمة الإسلامية في الهبوط بسبب عوامل معروفة، ثم انتهى الأمر إلى هذه الحالة المؤسفة.
والملاحظ في التفاعل الثقافي بين أجزاء العالم الإسلامي أنه تواصل على مدى التاريخ، ولم ينقطع حتى في عصور السيطرة التتارية والمغولية على المسلمين، لأنها كانت سيطرة عسكرية، ولم تكن ثقافية.
أما في عصرنا الراهن فإن هزيمة المسلمين كانت بالدرجة الأولى ثقافية، ولذلك ضعفت بل انعدمت لديهم روح التواصل والعطاء، وروح الخلق والإبداع.
لا شك أن إعادة هذه الروح مهمّة كبرى يتحمّل مسؤوليتها كل من يستطيع أن يقطع خطوة على طريق شدّ الطاقات الفكرية والثقافية والعلمية والفنية في منطقتنا الإسلامية. إذ لا يمكن لبقعة من بقاع هذه المنطقة أن تسجل انتصارًا في أي ميدان من ميادين العلم والثقافة والإنماء دون تعاون سائر الأجزاء، وقد أصبح ذلك واضحًا كل الوضوح في العقود الأخيرة بشكل خاص بعد أن تكشف اشتراك العالم الإسلامي ووحدته في المصير وفي ما يواجهه من تحديات.
من هنا ولدت فكرة إنشاء «مركز الدراسات الثقافية الإيرانية العربية» ليكون ـ بإذن الله ـ خطوة نحو تحقيق الأمل الكبير. وهذه مواد نظامه الأساسي:
المادة ـ 1: مركز الدراسات الثقافية الإيرانية ـ العربية الذي يسمى في هذا النظام الأساسي باسم (المركز) ـ مؤسسة ثقافية علمية مستقلة، غير سياسية، ذات مصلحة عامة لا ترتبط بأي جهاز حكومي، ولا بأية جهة لا إداريًا ولا ماليًا.
المادة ـ 2: يتكون المركز من رئيس المركز ومدراء الأقسام المختلفة ومجلس استشاري يضم جمعًا من العلماء والمفكرين والمهتمين بأمور العلاقات العلمية والثقافية بين إيران والعرب.
المادة ـ 3: مكان المركز في طهران، ويمكن أن يفتح فروعًا له في الداخل والخارج.
المادة ـ 4: تمويل المركز من مساعدات المهتمين بأمر أهداف المركز، ومن عائدات النشر وتنفيذ اتفاقيات علمية وثقافية في حقل الترجمة وإقامة الدورات التعليمية والمؤتمرات والمعارض المشتركة.
المادة ـ 5 : مجالات عمل المركز ما يلي:
أ ـ توفير الإمكانات اللازمة للدراسات العربية في إيران، والدراسات الإيرانية في العالم العربي.
ب ـ إقامة حوار بين الشرائح المثقفة والمفكرة الإيرانية والعربية عن طريق الندوات والكتابات.
جـ ـ تنفيذ مشاريع نشر اللغة العربية في إيران عن طريق وسائل الإعلام ونشر الكتب وإقامة الدورات الدراسية، وتوفير سبل تعليم اللغة الفارسية للعرب الراغبين في تعلمها.
د ـ ترجمة الكتب الفارسية المفيدة إلى اللغة العربية، والعربية إلى الفارسية.
هـ ـ توفير سبل تعرّف العرب على الثقافة المعاصرة في إيران، وتعرف الإيرانيين على الثقافة المعاصرة العربية.
و ـ نشر مجلة متخصصة في الدراسات الثقافية الإيرانية العربية يشارك فيها كتاب عرب وإيرانيون.

من أدبيات المركز: العرب والإيرانيون/ تحديات مشتركة
جاء في أدبيات المركز كما نُشر في موقعه (
www.iranarab.com):
يواجه العرب والإيرانيون تحديات ثقافية مشتركة تهدد مستقبلهم منها :
1 ـ العولمة الثقافية والمعلوماتية وهدفها ملء أدمغة سكان الأرض وتكييف سلوكهم وفق إرادة قوى لا تقيم لهوية الشعوب وثقافتها وزنًا.
2 ـ التطبيع : ويستهدف قبول الذلّ والاغتصاب طواعية وعن قناعة، وهو ما يحتاج إلى مقدمات أهمّها تذويب الشخصية والقيم ومصادرة روح العزّة والكرامة والمقاومة.
3 ـ الغزو الثقافي: وهو ظاهرة مشهودة في كلّ مجالات حياتنا اليومية والفكرية والثقافية، مشهودة في الهزيمة الداخلية وفي روح الاستهلاك، وفي تعرّي المرأة، وفي الفنون الممسوخة وفي سائر شؤون الحياة.
4 ـ الاستهانة بالمقدسات : فالمقدسات تشكل أساس الهوية وأساس الشخصية الثقافية المستقلة، والاستهانة بها والطعن فيها يستطيع أن يكسر كل الأطر التي تحافظ على الهوية والشخصية.
     وما يطرح اليوم مما يسمى إبداعًا فنيًا مفعمًا بالفحش والطعن بالمقدسات، وكذلك ما تتعرض إليه المقدسات الإسلامية في فلسطين وأماكن أخرى من انتهاكات كلها تصب في عملية مدروسة تستهدف ثقافة الأمة في الصميم.
5 ـ التغرّب : ويطرح تحت عنوان الحداثة وما بعد الحداثة ويطرح تحت عنوان مواكبة التطور العالمي. والحداثة ضرورة ومواكبة التطور العالمي ضرورة أيضًا، ولكن أكثر السائرين في هذه الضجة مهزومون داخليًا ومنقطعون عن الجذور، ودعوتهم لا تؤدي إلاّ إلى خدمة الذوبان الثقافي وتمييع الشخصية المستقلة الثقافية، ومسخ الفكر والأدب.
6 ـ تحويل الإنسان إلى بهيمة: وهي خطة وراءها الصهاينة يعملون ليل نهار، لإثبات أنهم شعب الله المختار، وسبيلهم في ذلك تحويل البشرية إلى بهائم تشبه الخنازير في حظيرتها لا شغل لها إلا المضاجعة وممارسة الجنس. ولهم في ذلك شبكات دعارة عالمية وفضائيات ومواقع كثيرة على شبكات الاتصال، ومراكز لإنتاج المجلات والأفلام وعرضها. وتركز بالدرجة الأولى على إغواء المسلمين. ومن المؤسف أن كثيرًا من أموال النفط تذهب إلى جيوب هؤلاء، وليت الأمر يتوقف على المال، فالعقل والشخصية والهوية كلها تقدم قرابين على مذبح الشهوات، هذا إضافة إلى سلامة الأفراد وصحتهم.
7 ـ المخدرات: وتستهدف وعي الإنسان في الصميم، وبالتالي شخصيته وفكره وثقافته وعواطفه، وتستهدف العلاقات الاجتماعية والأسرية، وتشكل أكبر خطر على هوية الأمة ووجودها الحضاري، ولدى المسؤولين الإيرانيين وثائق كثيرة تدل على أن ثمة خطة مبيتة لهدم شخصية المجتمع الإيراني عن طريق إشاعة المخدرات. ولابد أن هذه الخطة تستهدف العالم الإسلامي بأجمعه.
9 ـ التطرّف: وهو ظاهرة خطرة مشهودة في عالمنا الإسلامي ابتليت بها كل المجموعات الإسلامية وغير الإسلامية، غير أن التركيز أخيرًا ينصب على الجماعات الإسلامية لأسباب معينة، ويتحدد بعدم رعاية موازين الاعتدال في الرفض والقبول. ويؤدي عادة إلى ردود فعل سلبية، وسببه بالدرجة الأولى عدم وجود تربية صحيحة ترسخ السلوك المتعادل للأفراد، وتبدو بوضوح في الحوار أو الشجار الدائر في الساحة الثقافية تجاه مختلف الأمور.
10 ـ العنف : وهو أيضًا ظاهرة طبعت الجماعات السياسية بمختلف فصائلها في العالم الإسلامي، وأقصد بالعنف مواجهة الرأي الآخر بالشدّة، والابتعاد عن روح الحوار واللين والكلمة السواء التي دعا إليها القرآن، والعنف له أسبابه النفسية والثقافية والتربوية، وأخطاره وتبعاته واضحة.
11 ـ التخلف العلمي والثقافي: وهي حالة واضحة كل الوضوح لا تحتاج إلى بيان، تتمثل في تخلفنا في التقنية والتعليم ومواكبة مسيرة التطور العلمي والمعرفي.
12 ـ القراءة المشوهة للإسلام : وهذه تظهر بأشكال مختلفة تسيء إلى الإسلام. منها القراءة المتخلفة المشهودة في بعض بقاع العالم الإسلامي حيث توضع المرأة والأفكار والعقول وراء قضبان من السجون باسم الإسلام، أو القراءة المهزومة أمام الفكر الغربي التي لا تلتزم بأي أصول وقواعد منضبطة لفهم الإسلام.
هذه وأمثالها تحديات ثقافية تواجه العالم الإسلامي وتتطلب من الإيرانيين والعرب أن يواجهوها ضمن خطة تتناسب مع جذورهم الثقافية المشتركة ومع متطلبات الواقع الراهن.

مجالات التعاون المستقبلي:
عند الإيرانيين والعرب كل المقومات الثقافية اللازمة لاستعادة مكانة الأمة على الساحة العالمية. ولكن الأمر يحتاج إلى جهود جبارة لوضع أطر التعاون وأسس التحرك الثقافي المشترك، والتغلب على الصعاب. ومن مجالات تنشيط التعاون الثقافي الإيراني العربي:
1 ـ بلورة خطاب مشترك
خطاب إيران كان يقوم منذ انبثاق الثورة الإسلامية على أساس وحدة الأمة الإسلامية والتقريب بين فصائلها ومذاهبها. لكن هذا الخطاب كان معتَّمًا، ومشوبًا بتضليل إعلامي كبير، وكان مصحوبًا بأخطاء هوّلتها وسائل الإعلام المعادية. واستمرت هذه الحالة طوال العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية، ثم خفّت بالتدريج في العقد الثاني نتيجة ظروف سياسية كشفت أوراق المزيفين.
غير أن الطريق الذي تمرّ به العلاقات الإيرانية العربية سيكون ملغومًا بما يحاول تفجير الموقف ويصادر المكتسبات، لأن هذا التقارب سيفوّت على المستفيدين من تأزم العلاقات الإيرانية العربية فرصًا كبيرة. ونحن نلاحظ أن وسائل الإعلام العالمية في منذ بداية العقد الثالث من عمر الثورة بدأت تركز على الإثارات الطائفية والقومية بين الإيرانيين والعرب، كما نشاهد نشر كتب مشبوهة في هذا المجال، أضف إلى ما تمارسه الدوائر الاستكبارية من عمل مكثف يستهدف تصوير تخلي العرب والإيرانيين عن هويتهم ومقدساتهم وقبولهم بواقع الهيمنة الأمريكية.
ويتحمل العرب والإيرانيون مسؤولية استثمار هذه الفرصة المتاحة ومواصلة الطريق بخطى حثيثة، وبوعي على أخطار الطريق، عليهم أن يستغلوا كل فرصة للحوار وبلورة خطاب وحدوي مشترك.
2 ـ الاهتمام الكبير الموجود في إيران بتعلّم اللغة العربية، والاهتمام النسبي الموجود عند العرب بتعلّم اللغة الفارسية:
فالحاجز اللغوي أمر لا ينبغي أن نتجاهله، وهذا الحاجز لا بد من إزالته عن طريق فهم لغة الآخر .
رواد النهضة في إيران اهتموا باللغة العربية، ونجد مظاهر هذا الاهتمام في ارتباطهم بعيون الأدب العربي وبأدبيات النهضة في العالم العربي، وفي ما أقرّ بعد انتصار الثورة الإسلامية في الدستور بشأن اللغة العربية، وفي ما نراه من نشر واسع باللغة العربية، يفوق ما ينشر في كثيـر من البلدان العربية، غير أن كلّ ذلك لم يبلغ الدرجة المطلوبة بسبب عدم تعاون العالم العربي مع العاملين في إيران على نشر اللغة العربية، وعدم وجود برامج متطورة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
وفي العالم العربي تقف مصر في مقدمة البلدان العربية التي اهتمت باللغة الفارسية، فكل جامعاتها ـ على ما نعلم ـ تضم فروعًا متخصصة في اللغة الفارسية، وفي كل العالم العربي يأخذ طالب اللغة العربية والتاريخ وبعض فروع العلوم الإنسانية عددًا من حصص اللغة الفارسية. غير أن كل هذا الاهتمام لم يبلغ مستوى تلبية حاجة العالم العربي لمتخصصين في اللغة الفارسية والشؤون الإيرانية يضعون المهتمين في العالم العربي في صورة المشهد الثقافي الإيراني، كما يصنع المتخصصون العرب في اللغات الانجليزية والفرنسية والروسية مثلاً.
ولكن وجود الرغبة لدى الجانبين أولاً، ووجود محاولات جادّة في هذا المجال ثانيًا، يشجع على المضي في تطوير ما هو موجود ليبلغ مستوى الطموح. والوزارات المعنيّة في إيران والعالم العربي، وهكذا مراكز الدراسات الشرقية فيهما تتحمل مسؤولية النهوض بهذه المسؤولية، إضافة إلى المعاهد والمنتديات المهتمة بالتقارب الإيراني العربي.
3 ـ كان للأدب العربي تأثير واسع على الأدب الفارسي، وكان للأدب الفارسي أيضًا تأثيره الواضح على الأدب العربي، وهذا التأثير المتبادل أثرى الأدبين أكبر الإثراء لما حدث بينهما من تفاعل جادّ حقيقي بعود إلى اشتراكهما في الجذور والثقافة.
وبعد عصر الاستعمار انقطع هذا التفاعل بالتدريج بسبب الحواجز السياسية، ثم ما إن حدثت النهضة العربية الحديثة حتى تحسّس روّاد النهضة بضرورة الاتصال بين الأدبين العربي والفارسي، فنجد كثيرًا منهم على اتصال بالأدب الفارسي أمثال: محمود سامي البارودي رائد نهضة الشعر في مصر، ومحمد الفراتي وعبد الرحمن الكواكبي من رواد النهضة في سوريا، وجميل صدقي الزهاوي ومحمد مهدي الجواهري من رواد الشعر العراقي الحديث.
وتنبّه الدكتور عبد الوهاب عزام إلى أهمية التفاعل الأدبي بين إيران والعرب فنشط في ذلك أيّما نشاط. وربّى في مصر جيلاً من المهتمين بالأدب الفارسي تلته أجيال لا تزال حتى اليوم تهتم بالأدب الفارسي دراسة وترجمة وتعليمًا.
وفي إيران أيضًا اتجه مَنْ تَنَبَّهَ إلى أهمية التفاعل بين الأدبين العربي والفارسي نحو قراءة الأدب العربي وترجمته والتعريف بالأدباء العرب، لأنهم وجدوا في الأدب العربي القديم والمعاصر ما يغنيهم عن الآداب الأوربية التي لا تمت إلى جذورهم بصلة.
وشهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا نشطًا بالأدب الفارسي في مصر وسورية والإمارات العربية المتحدة والكويت، عن طريق ترجمة الشعر والرواية والقصة، وكتابة دراسات، وإقامة ندوات.
ومن المتوقع أن هذه الحركة ـ لو استمرت ـ لاستطاعت أن تنقذ الأدبين العربي والفارسي مما أصيبا به من ضعف نتيجة اللقاء المهزوم الذي تم بينهما وبين الأدب الغربي، ولاستطاعت أن تعيد للأدبين الأصالة والاستمرار في التطور القائم على الجذور.
ولا يخفى ما للحركة الأدبية من تأثير على إحياء روح النهضة، ولا يمكن لمشروع نهضوي أن يتجاهل دور التطور الأدبي فيه.
4 ـ الاهتمام بالفكر الأصيل المعاصر
حركتنا الفكرية في إيران والعالم العربي كانت مشتركة على مرّ العصور، والتيارات الفكرية التي ظهرت في العالم الإسلامي لم يكن لها حدود جغرافية، ثم جاءت التيارات الفكرية الغربية لتدخل إيران والعالم العربي في أشد فترات هبوط الفكر وخلوّ الساحة من القادة المبدئيين في هذه المنطقة. وانفعل العالم الإسلامي بهذه التيارات ولم يتفاعل بها. وسادت موجة من الإلحاد والتشكيك في الدين، والاستهانة بالتراث، وبكل ما هو أصيل، وانفصل الأزهر عن الجامعة الحديثة، تبعه انفصال الحوزات العلمية في إيران عن الجامعة، ثم حين تخلّى قطاع من المثقفين عن ولائهم السياسي لأوربا ـ اليمين اتجهوا إلى جانب أوربا ـ اليسار، وكأنّ أوربا أصبحت هي القبلة التي لا مناص من التوجه إليها على أي حال.
ولو استقصينا موجة التغرب بين الإيرانيين والعرب لرأيناها واحدة في منطلقاتها وتوجهاتها وخطابها، دون أن يكون بينها صلة غالبًا.
ثم ظهر تيار العودة بكل سلبياته وإيجابياته المشتركة في العالم العربي وإيران، سلبياته المتمثلة في ما شابَهُ أحيانًا من السطحية وفقدان الرؤية المستقبلية الواضحة وفقدان المنهجية في الحركة، والإفراط والتفريط في النظرة إلى التراث وإلى الغرب، والإيجابيات المتمثلة في رفض الهزيمة، والعزم على استعادة العزّة، والإيمان بأن استعادة الكرامة لا يمكن أن تكون إلا على أساس من الأصالة والاستمداد من الجذور.
وهذا التيار، بكل ما يتضمنه طيفه من ألوان التوجهات والأذواق والرؤى، له مكانته الكبرى في واقع إيران والعرب، وعليه تعقد الآمال في مستقبل حرّ كريم.
وأهم ما يعانيه هذا التوجّه الفكري هو الجمع ين الأصالة والمعاصرة، وهذا الجمع يتطلب فهمًا واضحًا معمقًا للتراث بعيدًا عن النصوصية والتحجّر والتقليد، كما يتطلب فهمًا للواقع بعيدًا عن الهزيمة والذوبان والتبعية، وليس هذا الأمر بالسهل، لكن كلاً من العرب والإيرانيين يمتلكون في هذا المجال تجارب لا يستهان بها. العرب يمتلكون هذه التجارب منذ وقت مبكر، أي منذ أن دخلت خيول نابليون الأزهر، والإيرانيون امتلكوها منذ وقت متأخر عن ذلك حين حدثت الحركة الدستورية (المشروطة) في أوائل القرن العشرين، ثم هم دخلوا في تجربة عملية رائدة للجمع بين الأصالة والمعاصرة بعد إقامة الدولة الإسلامية في إيران.
وتبادل هذه التجارب على غاية من الأهمية لوقاية هذا التوجه الفكري من كل ما ران عليه من سلبيات، وإثراء الإيجابيات.
من هنا نرى من الضروري اجتماع النخب الفكرية من الإيرانيين والعرب لتأصيل فكرنا ودفعه نحو مواكبة متطلبات العصر.
5 ـ الاهتمام المشترك بالجمع بين القومي والإسلامي
المشروع الإسلامي في عصور التاريخ الإسلامي استطاع أن يزيل التناقض بين التوجه القومي والتوجه الديني، ولذلك أمثلة لا تحصى كلها تثبت زيف ما يقال: إن التوجه القومي كان هو المسيِّر لأحداث القرون الإسلامية الأولى. رغم اعترافنا بوجود نزعات قومية وعشائرية، غير أن الهوية الإسلامية كانت هي الغالبة في التوجه العام للمجتمع الإسلامي. ولا نعني بغلبة الهوية الإسلامية إذابة الفوارق القومية القائمة في اللغة والعادات والتقاليد ومصالح القوم، بل نعني أن هذه الفوارق أخذت مكانها المناسب ضمن إطار الهوية الإسلامية، ولم تطغ على هذه الهوية، أو تصطدم بها.
ثم تضخم المشروع القومي في القرن الأخير تحت التأثير الأوربي واصطدم بالمشروع الإسلامي، فكانت هناك الدعوة القومية أو المليّة (بتعبير الإيرانيين) والدعوة الإسلامية، وهذا الاصطدام كان له أكبر الأثر في تخلف حركة التقدم في العالم العربي، كما أنه أحبط أكبر مشروع لحركة التحرر أيام تأميم النفط في إيران.
ثم ظهرت في إيران والعالم العربي موجة المصالحة بين القومي والإسلامي ولكن العملية تحتاج إلى مزيد من الحوار للتوصل إلى مشروع يضمن تطلعات التوجهين.
العالم العربي شهد حوارًا جادًا بين التيارين الإسلامي والقومي، وإيران تشهد مثل هذا الحوار لا على مستوى الندوات والمؤتمرات، بل على مستوى اتخاذ المواقف العملية المنسجمة مع المبادئ والمصالح القومية.
والمسألة لم تحسم عند الجانبين، وأعتقد أن تبادل التجارب في هذا المجال يعمل على تسريع عملية وضع الصيغة المناسبة للمشروع الذي يحفظ المصالح القومية في الإطار الإسلامي، كما يعمل على إزالة الحساسيات القومية الموروثة من عصر التنافر القومي بين الإيرانيين والعرب.
6 ـ الاهتمام المشترك بالاستقلال العلمي
ثمة إيمانٌ بدأ يترسخ في أوساطنا الجامعية يرى أن التعاون مع الجامعات الغربية، رغم ما فيه من اكتساب للمعارف والعلوم، لا يعطينا الأسس اللازمة للتطور العلمي، بل يفيدنا في تراكم المعرفة لا غير، ولابدّ لتحريك روح الابتكار والاختراع في العقول والنفوس من تعاون بين جامعات ما يسمى بالدول النامية. ولكن هذا التعاون يحتاج إلى جهود صخمة لتذليل العقبات الإدارية، واجتياز موانع البيروقراطية المهيمنة مع الأسف على جامعاتنا، كما يحتاج أيضًا إلى إيمان عام يسود أفراد مجتمعنا بأن عقولنا ليست بأقل من عقول أبناء البلدان المتطورة، أي لا بدّ من استعادة الثقة بالنفس كمقدمة لازمة لهذا التعاون.
إن العرب والإيرانيين المهاجرين يشكلون نسبة عالية من الطاقات العلمية المبتكرة والمخترعة في أوربا وأمريكا، كما أن كثيرًا من الاختراعات العلمية في العالم العربي وإيران يقدمها الباحثون العرب والإيرانيون إلى مراكز البحث العلمي الأوربي لقاء ثمن بخس، ثم تستثمرها تلك المراكز باسمها.
ربما لا نستطيع نحن العرب والإيرانيين أن نواكب التطور التقني في العالم الصناعي لهبوط الإمكانات المالية أو لعدم الاهتمام أصلاً بالتخطيط العلمي، ولكن العقول لم تعقم ولم تنضب، بل تنقصها الثقة والدعم، وإذا قُدّر لهذه العقول أن تنشط ضمن برنامج مدروس لأمكن أن تكون عائدات بلداننا من بيع المعلومات العلمية أكثر بكثير من عائدات موادنا الخام، أضف إلى ذلك أن هذا التفعيل للعقول وتوجيهها يساهم في تطوير المشروع الحضاري للعالم الإسلامي، ويسجل له المكانة المناسبة على صعيد التطور العلمي في العالم.
نعتقد أن العالم الإسلامي بحاجة إلى مجمع للمخترعين، وأهميته لا تقل عن أهمية المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
7 ـ الاهتمام المشترك بمواجهة الغزو الثقافي
العالم بأجمعه يواجه غزوًا ثقافيًا باسم «العولمة» هدفه فرض نمط الحياة الأمريكية على الكرة الأرضية، ثم هناك الصهيونية التي تعمل جنبًا إلى جنب مع السياسة الأمريكية لمسخ هوية الشعوب، وإشاعة البهيمية في ربوعها، مستخدمة الفضائيات العالمية، ومخترقة فضائيات المنطقة.
وإيران تواجه منذ انتصار الثورة عملية مكثفة لتزلزل النفوس المؤمنة بثورتها وعقيدتها، والتشكيك في كل القيم والمقدسات، وإشاعة روح الهزيمة واللامبالاة، والعالم العربي أيضًا يواجه عملية غسل دماغ واسعة لمواكبة عملية التطبيع، ولكسر روح المقاومة والصمود، وإبعاده عن استشعار العزّة والكرامة.
من هنا فإننا نعيش تحديات مشتركة تريد أن تحولنا إلى جسد ميت لا يحسّ بألم الجراح ولا يثور إذا ما طعن في كرامته وعزّته.
وفي تراثنا الثقافي الديني والأدبي ما يستطيع أن يقي أمتنا أمام هذا الغزو المكثف، شرط أن تتظافر الجهود لإحيائه ونشره وتعميقه في النفوس.
بإمكاننا أن نضع خطة عامة تُسخّر لها الكتب الدراسية ووسائل الإعلام ومراكز التربية والفنون الأدبية والاستعراضية والسينمائية لصيانة هويتنا من هذا الغزو، وهذا يتطلب إيمانًا عامًا بتعرضنا لغزو، ومعرفة بطبيعة هذا الغزو وسبله ومحاور عمله .. ثم وضع الخطة الشاملة لمواجهته.
8 ـ التعاون التراثي
إيران تضم كنوزًا كبرى في التراث الإسلامي العربي، وأقول: «العربي» لأن جلّه مدوّن باللغة العربية، والمكتبات العربية تضم هي الأخرى كنوزًا تراثية، هذا غير آلاف المخطوطات في المكتبات العالمية.
وهذه الكنوز فيها كلّ ما يفيدنا لأن نبني عليه حركتنا الحضارية. ولكن حركة إحياء التراث في منطقتنا الإسلامية ليست على المستوى المطلوب لأسباب أهمها :
أ ـ روح الاستهانة بالذات، فكل ما هو أصيل لا يلقى عندنا اهتمامًا، اللهم إلا إذا اهتم به الغرب. العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان كان يقول : نحن لا نمجّد شخصياتنا العلمية إلا إذا مجدها الغرب. فابن سينا كان من ربوع وطننا، وكتبه كانت موجودة بين ظهرانينا، ولكن جامعاتنا لم تهتم به إلا بعد أن اهتم به الغربيون، فكأنهم قد اكتشفوه لنا، ونحن رحنا على أثرهم ندبّج المقالات ونقيم الندوات والمؤتمرات.
ب ـ عدم وجود المشروع الحضاري الذي يستطيع أن يستمد من التراث مقوماته، فمادام هذا المشروع غائبًا، وما دامت حركة أمتنا الحضارية متوقفة، فإننا لا نستطيع أن نستوعب التراث ونفيد منه، لذلك ننظر إلى كتب التراث وكأنها «ألسنة الأموات» كما شاع في كلام المتغربين الإيرانيين، بينما ساهم هذا التراث بشكل جاد في صنع الحضارة الغربية، ومن الأولى أن يكون أساسًا لنهضتنا الحضارية.
من هنا يمكن أن يكون بين العرب والإيرانيين توجه جديد إلى التراث، يحييه وفق منظور حضاري واضح، وعملية الإحياء إن كانت قائمة على وضوح الرؤية والنظرة المستقبلية فإنها تساهم إلى حدّ كبير في إزالة روح الهزيمة النفسية، كما تساهم في تجميع لبنات المشروع الحضاري للأمة الإسلامية.
وفي إيران توجد مؤسسات متخصصة بإحياء التراث في قم وطهران ومشهد، كما توجد مراكز إحياء التراث العربي في أكثر العواصم العربية، ويمكن أن يكون بينها تعاون وثيق في إطار بنّاء.
9 ـ التعـاون الفنـي
الفنون تمثل جانيًا هامًا من ميزة الهوية الحضارية للعرب والإيرانيين، ولا يمكن فصل الفن عن الطابع الحضاري للأمة، وكانت فنون هذه المنطقة الحضارية توحّدها من أقصاها إلى أقصاها، في حقل العمارة والموسيقى والرسم و.. وفي العصر الحديث بقيت هذه الفنون بدرجة وأخرى تطبع منطقتنا بطابعها الخاص، غير أنها لم تتطور بسبب ضعف التحرك الحضاري، ثم انفتح عالمنا على فنون أوربية جديدة، أخذها وحاول أن يوائم بينها وبين موروثه الثقافي، ويتوقف مدى نجاح عملية المواءمة على القدرة الفنية الإبداعية وعلى التعمق في روح التراث، ولا تزال هذه العملية تراوح بين النجاح والإخفاق، ولا تزال تعتبر من التحديات الهامة التي تواجه هويتنا الحضارية وموروثنا الثقافي.
إيران قطعت بعد الثورة أشواطًا هامة على طريق تطوير الفنون القديمة وتأصيل الفنون الحديثة، ففي مجال الفنون القديمة التي أوشك بعضها أن ينسى سعت الأجهزة التراثية إلى حشد أساتذة هذه الفنون ودفعهم إلى تطوير فنهم، وإلى تعليم طلبتهم، ثم إن كل البلدان العربية لها من هذه الفنون التقليدية ما تحرص على صيانته وتطويره، والتوجه المشترك بين البلدان العربية وإيران نحو تطوير الفنون القديمة يصون عمارتنا من المسخ وموسيقانا من الابتذال وفنوننا من التقليد العشوائي، كما أن بذل المساعي المشتركة على طريق تأصيل الفنون الحديثة يفسح لنا المجال لأن ننفتح على الفنون الحديثة ونتفاعل معها لا أن ننفعل بها، ونجعل منها مشروعًا حواريًا علميًا بين الحضارات، يحافظ على نقاط القوة، ويتجاوز مساحات الضعف التي لا تنسجم مع الفطرة الإنسانية.
10 ـ التعاون في حقل صيانة الوحدة الوطنية
الوحدة الوطنية هدف هام من أهداف إيران وكل بلد من البلدان العربية، فالتعددية القائمة في منطقتنا ـ رغم ما يمكن أن يكون فيها من عطاء إيجابي ـ كانت دائمًا مستهدفة لإثارة النزاعات وتمزيق الوحدة الوطنية.
إيران مثل سائر بلاد العرب فيها تعددية مذهبية ودينية وعرقية، وهي تعددية يمكن أن تكون كما ذكرت مصدر عطاء وثراء، وهكذا كل تنوع يمكن أن يرتفع إلى هذا المستوى إذا توفّرت له البيئة السليمة، وأُبعد عن الحالة التي تعرضه إلى الاستفزاز.
وأعتقد أن جو الحوار هو أسلم طريقة لتوفير البيئة المذكورة ووقاية هذه البيئة من التعرض للمسيئين.
هذه نماذج من سبل تنشيط التعاون الثقافي بين إيران والعرب، ويمكن أن تأخذ مسارها العلمي دون التأثر بالخلافات السياسية، بل إنها يمكن أن تكون مقدمة للتفاهم السياسي والتعاون الاقتصادي والأمني بين إيران والعرب، لأن التعاون الثقافي يمسّ شغاف القلب، ويرفع العلاقة إلى مستوى إنساني نبيل مترفع عن المصالح الآنية الضيقة.

نشاط المركز في إيران
باختصار نشط المركز داخليًا في الحقول التالية:
1 – تأسيس مكتبة بطهران تعين الباحثين في مجال الآداب والثقافة العربية القديمة والمعاصرة.
2- تأليف كتب جامعية في تعليم اللغة العربية الحيّة.
3- تأليف كتب جامعية في الأدب العربي وتاريخه برؤية حضارية .
4- التعاون مع رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية لا صدار مجلة: ثقافتنا، وهي مجلة عملية محكمة تهتم باستئناف مسيرة الحضارة الإسلامية.
5- التعاون مع المجمع العالمي للتقريب في إصدار نشرة ثقافة التقريب.
6- المشاركة في المؤتمرات التقريبية للمجمع العالمي للتقريب وطرح مسألة التقريب من وجهة نظر حضارية.
7- نشر كتب في الثقافة والأدب والتذوق الشعري باللغة العربية بالتعاون مع جامعة طهران.
8- تحقيق كتب تراثية بالتعاون مع مركز أبحاث التراث المخطوط في طهران.

نشاطات المركز على صعيد العالم العربي
1 – التعاون مع جامعة دمشق في إقامة مؤتمرات عن الأدبين العربي والفارسي
2- التعاون مع جامعة حلب في إقامة مؤتمرات عن المتنبي والسهروردي وشعره بلاط سيف الدولة.
3- التعاون مع مركز الحضارة للدراسات السياسية في القاهرة لإقامة ندوات بشأن حوار الحضارة.
4- المشاركة في ندوات أقيمت في الكويت والإمارات العربية المتحدة والجزائر والمملكة العربية السعودية بشأن سعدي، وحافظ، ومولانا جلال الدين، والتصوف والفتوة، والحرمين في الأدب الفارسي.
5- تأليف ونشر كتب لتعليم اللغة الفارسية للعرب، كان بعضها بالتعاون مع جامعة دمشق.
6- إقامة ندوة حول المخطوطات العربية في إيران بدمشق.
7- نشر كتب تحت عنوان: «كتاب الثقافة الإسلامية» تتناول قضايا ثقافية وأدبية وفنية إيرانية – عربية.
8- إقامة مكتبة متخصصة للباحثين في الشؤون الإيرانية بدمشق بالتعاون مع المستشارية الثقافية الإيرانية في سوريا.
9- الاتفاق مع بنك التنمية الإسلامية في جدة للتعاون المشترك.

مركز أبحاث وحدة العالم الإسلامي
بدعم من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية تأسس هذا المركز بموافقة وزارة العلوم والبحوث والتقانة ضمن إطار عمل مراكز البحث العلمي، ويتجه المركز كما في نظامه الأساسي إلى الاستفادة من الطاقات العلمية الجامعية لإجراء بحوث ودراسات أكاديمية في فرعين:
الأول: وحدة الأمة الإسلامية
الثاني: مستقبل الحضارة الإسلامية
الفروع الأول: يستهدف تعميق الدراسات المرتبطة بمسألة التقريب والوحدة في الأمة الإسلامية، ودراسة نقاط الضعف والقوة في مشروع وحدة الأمة الإسلامية، والعوامل السياسية والنفسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية التي تعمل على تفكيك الأمة، وسبل مواجهة هذه العوامل.
والفرع الثاني: يتجه إلى دراسة المستقبل الحضاري للأمة عن طريق دراسة الأسباب التي أدّت إلى ازدهارها الحضاري وأسباب أفولها، والتعمّق في عناصر التفعيل الحضاري في الثقافة، وكيفية التفعيل. وسبل الإقلاع الحضاري واستئناف مسيرة الحضارة الإسلامية بلغة العصر وعلى مستوى متطلبات العصر.
وهذا الفرع أيضًا يرتبط بصميم التقريب والوحدة لأنه يدرس مسألة الإحياء اللازمة والضرورية لعودة الارتباط العضوي بين الأمة، والتغلّب على عوامل الركود الحضاري التي هي عوامل الموت والتفتيت.

خاتمة
إذا كانت الدراسات العلمية المقارنة في الفقه والأصول والعقيدة والتفسير والحديث لها أهميتها بين خواص الأمة، فإن عملية التثقيف ذات أهمية قصوى لجماهير الشعب إن ما يجري اليوم على الساحة الإسلامية من تحرك معادٍ للتقريب إنّما يستقل عواطف الجماهير التي ترث تركة التعصب القومي والطائفي، من هنا كانت عملية التثقيف العامة ضرورية، لسدّ الثغرات ومنع عمليات الاستفزاز.

 

-----------------------
[1]- انظر: مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، دار الفكر  .
[2]-  انظر: مرتضى مطهري،  إحياء الفكر في الإسلام، ترجمة محمد علي آذرشب، بنياد بعثت طهران .
[3]- انظر: محمد علي آذرشب،  مسيرة التقريب، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية .
[4]-  أنظر: التوجيه الثقافي، ط جامعة طهران، قصة الناي عند مولانا جلال الدين.
[5]- عبدالباقي گولپينارلي، نثر وشرح مثنوي شريف، جلد اول ، دفتر اول ودوم، طبعة وزارت فرهنگ وارشاد إسلامي، 1995، ص 66.
[6]- انظر: محمد باقر الصدر،  المدرسة القرآنية،  التفسير الموضوعي، مؤسسة الهدى الدولية ، طهران 1421هـ .
[7]-  انظر: فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ والإنسان الأخير، مركز الانماء القومي، بيروت.
[8]- انظر: عبد الرحمن الكواكبي،  طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تحقيق د. محمد جمال الطحان، دار الأوائل 2003م.
[9]-  أحمد الوائلي، هوية التشيع، ط 2، دار الكتاب الإسلامي، ص 64 .
[10]-  محمد مهدي الجواهري، ذكرياتي، الجزء الأول، الفصل الثالث ، ص 137 – 167، الطبعة الأولى، 1988، دار الرافدين، دمشق.