التحديات الكبرى التي تواجه رسالة التقريب اليوم

التحديات الكبرى التي تواجه رسالة التقريب اليوم

التحديات الكبرى
التي تواجه رسالة التقريب اليوم  


أ.د. محمد الدسـوقي
الأستاذ بجامعة القاهرة

 

 

وضع الأمة في العصر الحديث:
 لقد تآمرت دول البغي والعدوان الغربي في العصر الحديث على إضعاف المسلمين وتمزيق وحدتهم، وسلب ثرواتهم، وانتهاك حقوقهم، وتمثلت قمة هذا التآمر في محاولة تشويه صورة الإسلام والمسلمين لإضعاف روح العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، وإشاعة القيم الغربية التافهة بينهم، فضلاً عن تحذير غير المسلمين من الدخول في هذا الدين، كما تمثل ذلك العدوان في جريمة العصر الكبرى وهي طرد شعب من وطنه وإحلال العصابات الصهيونية الغادرة محله، على مرأى ومسمع من كل دول العالم الحر كما يزعمون، وكل المنظمات والهيئات الدولية التي تنادي بالعدالة والحقوق الإنسانية، إن ما جرى لشعب فلسطين جريمة كبرى في عصر الحريات كما يتشدق الذين تآمروا بليل وأصدروا الوعد المشئوم، ومكنوا العصابات الصهيونية من أن تنشئ المستعمرات وتعد الجيوش، وحرمت على أهل الدار كل أسباب القوة والتصدي للمجرمين الذين لا خلاق لهم ولا دين..
 إزاء هذا الوضع المؤلم للأمة نهض بعض المفكرين ودعاة الإصلاح في الأمة إلى الدعوة إلى جمع الصفوف، والتقريب بين أتباع المذاهب حتى تستعيد الأمة قوتها لكي تتصدى لتيار العدوان الذي يزداد يوماً بعد يوم حدة وبغياً، ولا يعترف بحقوق إنسانية ولا قوانين دولية.

من تاريخ الدعوة إلى التقريب:
 يمكن القول أن الدعوة إلى التقريب بين أتباع المذاهب الفقهية مضى عليها نحو قرن، وإن كانت لها جذور تاريخية قديمة، فقد تحدث عنها الإمام محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا صاحب الكلمة المأثورة: نلتقي حول ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
كذلك تحدث عنها الشيخ محمد نجيب المطيعي (1354هـ)، فقد جاء في رده على رينان الفرنسي الذي ذهب إلى أن أهل فارس شيعة وليسوا بمسلمين، قال: والله يعلم إنه لكاذب فيما يقول: أما الفرس فهم سنيون وشيعيون، ولكنهم مسلمون قبل كل شيء وهاهم علماؤهم الفرس وأئمتهم قديماً وحديثاً يعتنقون الإسلام ويحجون بيت الله الحرام ككل المسلمين ويصلون صلاة المسلمين إلى قبلة المسلمين، ويصومون كما يصوم المسلمون، وهذه كتبهم ومؤلفاتهم المخطوطة والمطبوعة تملأ البلاد، وهي كتب إسلامية أصولاً وفروعاً.
ورد الشيخ المطيعي على رينان يمثل نظرة تنكر التعصب المذهبي وتحترم كل اجتهادات الفقهاء في المذاهب المعتبرة، تعد دعوة من الشيخ للتقريب بين أتباع هذه المذاهب لأنه لا يوجد فرق جوهري بين أصولها..
وسار على نفس الدرب عدد كبير من الشيوخ والمفكرين الذين نادوا بالتقريب، وانتهوا إلى تأسيس جماعة للتقريب القاهرة، وظلت هذه الجماعة تؤدي رسالتها العلمية في تبصير الأمة بضرورة رفضها للتعصب المذهبي والتفافها حول أصول شريعتها وتعاونها فيما يحقق لها القوة والعزة، ومقاومة التحديات الخطيرة التي واجهت الأمة بعد الحرب الكونية الثانية، والتي حاول الاستعمار بعدها أن يحارب الإسلام والمسلمين حرباً لا هوادة فيها، فهو يرفض الاستقلال للشعوب المحتلة ويقاوم حركات الفدائيين بأساليب همجية وحشية، ويبث مع هذا الأباطيل حول الإسلام وحضارته والمسلمين ووحدتهم ليظلوا ضعافاً لا يلتقون ولا يتناصرون حتى يسهل السيطرة عليهم ونهب ثرواتهم وبخاصة المعدنية منها.
ظلت جماعة التقريب نحو عشرين عاماً تؤدي رسالتها في إخلاص، ولكن لوفاة أكثر الأعضاء المؤسسين لها توقف نشاطها، وتركت ثورة علمية في مجال العمل للوحدة الإسلامية، والتقريب بين المذاهب الفقهية.
وكان من أيادي الثورة الإسلامية في إيران إنشاء المجمع العلمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ومضى على إنشاء هذا المجمع أكثر من ربع قرن، وعقد حتى الآن أكثر من عشرين مؤتمراً دولياً شارك فيها نخبة من علماء الأمة قدموا دراسات وأفكاراً حول قضية التقريب والسبيل إلى جعل هذه القضية تتحول من النظر إلى التطبيق حتى يتحقق التعاون المثمر بين كل الشعوب الإسلامية وتمثل الجسد الواحد أو البنيان المرصوص الذي عبر عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .

سؤال يفرض نفسه:
 والسؤال الذي يفرض نفسه بعد أن مضى على الدعوة إلى التقريب أكثر من قرن من الزمان، وهل حققت هذه الدعوة رسالتها في تبصير الأمة بأخطار التفرق والتعصب المذهبي ووجوب التعاون والتكامل والوحدة، فأعداؤنا لا يفرقون بين أتباع المذاهب الإسلامية ويوجهون سهامهم للجميع بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟ إن الواقع يقول إن هذا الجهد الذي بذل منذ قيام جماعة التقريب في القاهرة، وإنشاء المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وانعقاد المؤتمرات والندوات، وصدور الأبحاث والدراسات حول التقريب وضرورته قد لفت الأنظار على مستوى العالم الإسلامي إلى هذه القضية المصيرية في حياة الأمة المعاصرة، ولكن الأثر العلمي لهذه القضية لم يصل إلى الغاية المنشودة والآمال المعقودة، وقد يكون من أسباب ذلك ما تقوم به أجندة غربية متخصصة في إجهاض كل عمل من شأنه أن يوحد كلمة الأمة ويسدد خطاها على طريق القوة والعزة والتعاون على الخير والبر، ويضاف إلى هذا مواقف بعض القيادات في الدول الإسلامية من التقريب بين علماء الأمة فهم يتوجسون خيفة من هذا التقريب ومن ثم يحاولون بمختلف الوسائل للحيلولة بين التقاء هؤلاء العلماء وتوثيق الروابط بينهم، لأن هذا في نظرهم يهدد سلطانهم، وقد يتعارض مع توجهاتهم السياسية، سواء في علاج مشكلة بلادهم أو لعلاقتهم بغيرهم من الأمم وبخاصة القوى العالمية.
غير أن العقبة الكأداء في طريق التقريب ليست في مواقف قوى الاستعمار ومن يدور في فلكها من حكام المسلمين، وإنما العقبة التي يجب اقتحامها هي خطر السنة على الشيعة وخطر الشيعة على السنة.

سوء الظن:
 إن خطر السنة على الشيعة وخطر الشيعة على السنة يعني أن هناك فجوة عميقة تحول دون جمع شمل الأمة، وتتمثل في سوء الظن، وفقدان الثقة في العمل التقريبي، فقد كان من بين العلماء من أهل السنة من يحضر مؤتمرات المجمع العالمي ويتحدث عن الحاجة الماسة إلى التقريب، هؤلاء لم يعد لهم وجود في هذه المؤتمرات منذ فترة، وصدرت عنهم بعض الأقوال التي تشكك في سلامة الدعوة إلى التقريب من قبل المجمع، وإنما تتخذ هذه الدعوة للتبشير بالمذهب الإمامي بين أهل السنة، إن هؤلاء فيما يصدر عنهم من تصريحات وأقوال يؤكدون وجوب العمل التقريبي، بيد أنهم مع هذا يرفضون بشدة أن يكون هذا العمل ذريعة لنشر مذهب بين أتباع مذهب آخر، وأذكر بهذه المناسبة أن مؤتمر الدوحة منذ عدة سنوات شهد مواجهة بين بعض فقهاء الأمة حول ظاهرة نشر بعض الكتيبات الداعية إلى المذهب الإمامي بين طلاب بعض الجامعات الإسلامية في مصر.
 وهذه المواقف يزكيها وينميها ما يصدر من دراسات تهاجم المذهب الإمامي، وتنقب في كتب التاريخ عن بعض الأقوال والأفكار التي يرفضها أهل السنة كسب الصحابة والنيل من السيدة عائشة رضي الله عنها، والحكم على أهل السنة بأنهم العامة، فهم ليسوا في مستوى أتباع المذهب الإمام فكراً وإخلاصاً لآل البيت.
 إن تحت يدي دراسات وبعض البحوث وحضرت بعض المحاضرات، والتقيت مع عدد من أساتذة الجامعات، وفي كل هذه الدراسات والبحوث والمحاضرات واللقاءات حديث يعرض المذهب الإمامي عرضاً يحمل على النفور منه والضيق به ومرد ذلك إلى ما ينشر من أن الدعوة إلى التقريب غايتها الأولى نشر المذهب الإمامي بين أهل السنة، وكما ذكرت آنفاً أن بعض الشخصيات العلمية المرموقة تحذر من هذا، وهي في نفس الوقت تدعو إلى التقريب وإذا كان هذا هو موقف أهل السنة من المذهب الإمامي فإن من أتباع هذا المذهب من يهاجم أهل السنة وبخاصة في بعض الإذاعات المرئية، وأحياناً في بعض الدراسات والمؤلفات، فالأمة الآن في حالة صراع فكري يدمر الجهود المبذولة للتقريب، وتتيح للأعداء أن يمكنوا لعوامل التمزيق والتفريق، بل إن هناك جهوداً من الدول الكبرى لتحريض بعض الدول الإسلامية للوقوف ضد سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالنسبة للطاقة النووية السلمية، وهذا الذي أومأت إليه حول المواقف من بعض أهل السنة وأهل الشيعة، أشار إليه فضيلة الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب من أن لدى أهل السنة حمقى كما أن لدى أهل الشيعة حمقى كذلك.
 وإن كان هناك من رجالات العمل الإسلامي لدى السنة والشيعة من ليسوا بحمقى، ويتوجسون خيفة من الدعوة إلى التقريب، بل يصرح بعضهم بأن محاولات تبذل لنشر مذهب على حساب مذهب آخر والذي يمكن إيجازه بخصوص التحديات الكبرى التي تعترض طريق الدعوة إلى التقريب أقول ليست هذه التحديات الآن من الخارج، ولكنها من الداخل فالقوى الخارجية المتربصة بالعالم الإسلامي على ما بذلت وأنفقت لم تحقق أهدافها كاملة، وإن ظلت تواصل سعيها المحموم للنيل من الإسلام والمسلمين، أما التحديات الداخلية فهو أخطر، وهي التي تمثل العقبة الكبرى في سبيل جمع الكلمة وتوحيد الصف، ونبذ التعصب المذهبي، فأهل الدار إذا اختلفوا فيما بينهم، وتحول هذا الاختلاف إلى اتهامات وادعاءات فإن الدار تواجه مستقبلاً مدمراً لوجودها، وقد حذر القرآن الكريم من هذا في قوله تعالى: )وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ(.
 إن ما يجري بين علماء الأمة أو بعضهم من مواقف متعارضة واتهامات متبادلة يلقى من القوى الخارجية كل اهتمام لأنه يساعد على تحقيق أهدافها دون أن يكون لها تدخل مباشر أو موقف صريح..
ما الحل؟
 إن المشكلة خطيرة ولا مناص من اتخاذ موقف عملي جاد ينهض على أسس صريحة واضحة لا مراء فيها، أسس تقضي على سوء الظن، وتضع حداً لما يقال من أن هناك محاولات لنشر مذهب بين أتباع مذهب آخر، فالمذاهب الفقهية كلها جهد عقلي بشري، صحيح أن هذا الجهد مصدره الوحي الإلهي، بيد أن هذا الوحي منه ما هو قطعي في دلالته وثبوته فهو معلوم من الدين بالضرورة ولا مجال فيه للاجتهاد فالكل مؤمن به، ومن ثم لا اختلاف بين الأمة فيه، ومنه ما هو ظني الثبوت أو هما معاً، وهذا هو مجال البحث الفقهي واستنباط الأحكام، والاجتهاد والاختلاف بين الفقهاء للأمة مرده من الآراء التي يستأنس بها في معالجة المشكلات المعاصرة.
ومن ثم فلا تعد الاختلافات الفقهية عقبة في طريق التقريب، والذين يجعلون هذه الاختلافات في درجة الأمور القطعية لا يفقهون، ويسيئون ويتحملون وزر فشل الأمة في التصدي للقوى المضادة التي لا تريد للإسلام والمسلمين خيراً.
إن مشكلة التقريب ليست بالدرجة الأولى ترجع إلى القوى الخارجية، وإنما ترجع إلى الظروف الداخلية، إن هذه الظروف تعكس حالة من الاحتقان بين أتباع المذاهب الفقهية، ويعبر عن هذا الاحتقان ما يصدر من دراسات وتصريحات وما يذاع من توجيهات وتحذيرات، ولا سبيل للتخلص من هذا الاحتقان إلا بالمصارحة والمواجهة التي لا تعرف المجاملة والكلمات التي قد لا تعبر عن حقيقة صادقة، ومع أ، الظروف الداخلية لها ضررها البالغ على مسيرة الدعوة إلى التقريب فإن الجهود التي بذلت منذ نحو قرن لم تذهب هباء، فهي قد نبهت إلى ضرورة التقريب ومن ثم أصبح الحديث عن هذه الضرورة قاسماً مشتركاً بين جميع العلماء حتى الذين يثيرون الشكوك حول الغاية الكبرى من العمل التقريبي، ففي القاهرة دعا شيخ الأزهر إلى اجتماع بمكتبه صباح الاثنين الموافق 24 يناير 2011م يضم عدداً من علماء السنة من مختلف الدول الإسلامية لبحث التقريب بين المذاهب الفقهية، ووضع أجندة موحدة لهؤلاء العلماء من أجل تفعيل الحوار السني الشيعي.
فالأزهر وهو أقدم جامعة إسلامية حريص على تفعيل الحوار بين السنة والشيعة وعلى المجمع أن يكون ردءاً لهذا الحرص، فيصدر بياناً يؤكد فهي أن الدعوة إلى التقريب خالصة لوجه الحق، ولخدمة الأمة الإسلامية، وجمع كلمة علمائها من أجل التصدي العلمي لكل ما يصدر عن المتربصين بالإسلام والمسلمين وما أكثرهم في هذا العصر، حتى ندفع عن الأمة ما يتهددها من أخطار وأضرار.
إن ديننا يفرض علينا أن لا يكون بأسنا بيننا شديداً، وألا يكون للتنازع حول الأمور الجزئية والثانوية وجود في حياتنا، وأن نربأ بجهودنا الفكرية عن مجالات التعصب المذهبي الذي مزق الأمة وفرق بين فقهائها، وشوه صورة الإسلام لدى غير المسلمين.
إن الأمة اليوم في مرحلة مصيرية، ولا مناص من وقفة حازمة تعلن على الملأ أن كل المذاهب فهم بشري لنصوص الشريعة وأحكامها الكلية، وأن كل من يحاول أن يتحامل على مذهب من المذاهب فهو يسيء إلى وحدة الأمة، وليس على دراية بشريعتها التي صلح عليها أمر الدنيا والآخرة، ومن ثم أكرر ما أومأت إليه من ضرورة إصدار إعلان أو بيان حول الأسس العامة للتقريب، وأن ما يقال من أن هناك محاولات توجه العمل التقريبي لنشر مذهب على حساب مذهب آخر غير صحيح، وأن النظرة المستقبلية لحماية الأمة وتوثيق الروابط بين شعوبها، وتحقيق التكامل الفكري بين علمائها هي غاية الغايات من الدعوة إلى التقريب.
والله يتولى الجميع بهدايته وتوفيقه


تمهيد
 مما لا مراء فيه ولا اختلاف عليه أن الإسلام دين الوحدة بمفهومها الشامل، وحدة العقيدة والمنهج، ووحدة التعاون والتكامل والتكافل، فالمؤمنون بهذا الدين أخوة وهذه الأخوة تفرض أن يكون بين الذين ارتضوا الإسلام ديناً وحدة جامعة تؤكد أن وشائج العقيدة أقوى وأولى من وشائج الدم والنسب، ومن ثم كانت وحدة راسخة الدعائم لا تنال منها الأحداث، ولا تزيدها الشدائد إلى قوة وعزة وانتصاراً ولا غرو أن شبه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بأنهم بنيان مرصوص يشد بعضه بعضاً أو جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، ولحرص الإسلام على وحدة المؤمنين به وتماسكهم وبقائهم دائماً صفاً واحداً وقلباً واحداً نهى عن كل ما ينال من هذه الوحدة من اعتداء على الحقوق والحرمات بالقول أو بالفعل، وإذا ما نشب خلاف بين جماعتين من المسلمين وجب على الأمة التدخل للإصلاح بينهما وإزالة كل أسباب الخلاف والشقاق، وإذا لم تذعن إحدى الجماعتين أو الطائفتين لما فيه الخير للمسلمين كان اللجوء إلى السلاح والقتال ضدها أمراً مشروعاً وعملاً مطلوباً، قال تعالى: )وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ(.
إن الإسلام يحرم التفرق والتمزق ويقرر أن الوحدة بين المؤمنين بهذا الدين فريضة مشروعة، لأنها سبيل القوة وطريق النصر والعزة، )وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (، )وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ(.
 وإذا كان الإسلام دين وحدة واتحاد وقوة وعزة فلماذا نرى المذاهب الفقهية والكلامية قد فرقت المسلمين إلى مذاهب وفرق تتخاصم وتتعادى وتحدث بين المسلمين شقاقاً وصراعاً يمتص الطاقات في غير ما يعود على الأمة بالصلاح والفلاح..
 ولكن إذا عرفنا أن تلك المذاهب لا تخوض في الأمور القطعية والأحكام الكلية، وإنما تبحث في المسائل الظنية والفرعية، وأن اختلافات المجتهدين ليست مبعث شقاق؛ لأنها آية على تفاوت العقول في المدارك والاستنباط – إذا عرفنا هذا أدركنا أن ما نراه ونسمعه من توتر في العلاقات بين أتباع المذاهب، وظهور التعصب بصورة بلغت درجة القتال وإراقة الدماء إن هذه الظاهرة الغريبة في حياة الأمة لم تعرف إلا في عصور الضعف والتخلف وركود ريح البحث العلمي الأصيل، وسيطرة التقليد على الجميع شيوخاً وتلاميذ..
إن اختلافات المذاهب في فروع الأحكام لا ينبغي أن تكون عقبة في طريق وحدة الأمة؛ لأن هذه المذاهب ليست منزلة من عند الله، فهي آراء كونتها ظروف بيئية واجتماعية وثقافية مختلفة، ومن ثم ليست فرضاً يجب اتباعه، وليس لازماً على المسلمين الأخذ بقول إمام دون آخر، أو ينزلون مذاهب الفقهاء منزلة لا يقرها دين ولا منطق، ولا يختلفون بسبب آراء ليست وحياً، ولم نؤمر بعدم مخالفتها أو الخروج عليها.