الدكتور حميد شهرياري:

حافظوا على مكانة السودان

حافظوا على مكانة السودان

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حافظوا على مكانة السودان

لقد مرّت على السودان ظروف لا ندخل في تفاصيلها أدّت إلى أن تعمد سلطة هذا البلد الشقيق قطع علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن انقطاع العلاقات السياسية لم يؤدّ يومًا إلى انقطاع قلوبنا وعواطفنا عن السودان، لأن الذين حدثونا عن هذا البلد وشعبه جعلونا وكأننا نعيش في ربوعه ومع أهله.

لذلك فإننا نعيش مع أفراحه وأتراحه نفرح لفرحه ونحزن حين يصيبه مكروه، لقد علمنا مافي هذا البلد من تعايش أخوي بين الفصائل المختلفة، وما يسود في أجوائه من روح صوفية متعالية على الأنانيات والذاتيات، ومن مظاهر اجتماعية فريدة تتجلّى في التعاون بين أفراد الأُسر وبين أبناء المحلّة الواحدة في السرّاء والضرّاء.

علمنا من خلال ما سمعناه عن شعب السودان من التزام بالقرآن والسنّة وبحبّ آل بيت رسول الله(ص). سمعنا عن «الخلاوي» وارتباط السودانيين منذ نعومة أظفارهم بالقرآن الكريم تلاوة وحفظًا. وعلمنا أن هذا البلد يجسّد «الوسطية» بكل مافي هذه الكلمة من معنى، فهو وسط بين أفريقيا وآسيا، و وسط بين السنّة والشيعة، و وسط بين العرب وغير العرب، كما يجسّد أيضًا الشخصية الكريمة التي تأبى الضيم والهوان، وترفض الظلم والظالمين. فهو بلدٌ دحر المعتدين المحتلين بقيادة (المهدي) وهو بلد اللاءات الثلاثة التي جمعت العرب على رفض التطبيع ودعم المقاومة، وضرورة الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في جهاده لتحرير بلاده من المحتلين الغاصبين.

وفي شهر رمضان المبارك بالذات كنّا نترقّب استماع أخبار الإفطار الجماعي في كل الطرق وشعاب مدن السودان، كما كنّا نسمعها كل عام، ولكن هذا العام فاجأنا بما لم نكن نتوقعه، فأجأنا باقتتالٍ بين أبناء القوات المسلحة في الخرطوم ومناطق أخرى من السودان، لقد حزّ في قلوبنا ما سمعناه ورُحنا نتابعه وندعو الله من كل قلوبنا أن يعود الفرقاء إلى ما نعهده من أبناء السودان، إلى الكف عن الخصام وإحلال الوئام. لقد تابعنا الأحداث بكل قلق، وكنّا نتوقع من البلدان التي تنعّمت بثروات السودان، وملأت جيوبها من هذه الثروات أن تقوم بخطوة لإزالة التوتر من أجواء هذا البلد، لكننا وجدناها مهتمة بشدّة بإجلاء رعاياها من السودان.

من خلال متابعاتنا سمعنا المحللين مجمعين على أن قوى دولية وإقليمية قد كانت وراء إشعال نيران هذه الحرب العبثية الظالمة، وسمعنا أيضًا عن دور دولة الصهاينة في خلق هذه المأساة التي يدفع ثمنها الشعب السوداني بما يعانيه من قتل وخراب وانقطاع الماء ولقمة العيش. ثمة قرائن تدل على ذلك، وثمة تاريخ لدولة الصهاينة في التمزيق والتشتيت والتخريب يؤيده أيضًا. ساحة السودان تشهد اليوم صورًا من غياب التعقّل والعاطفة الإنسانية كما تشهد صورًا من تخلّي القوى العالمية والإقليمية عن اتخاذ خطوة جادّة لإنقاذ أهلنا هناك.

لقد سمعنا قبل سنين أن ثمة اختلافًا بل واشتباكًا حدث يومًا بين فصيلين سودانيين، فوقف الصادق المهدي رضوان الله تعالى عليه مخاطبًا الفريقين ببيت البحتري:

إذا احتربت يومًا فسالت دماؤها        تذكّرت القربى فسالت دموعُهــــا 

وكان لهذا الخطاب أثرة الكبير في النفوس. ومن قبله اتخذ المشير عبدالرحمن سوار الذهب موقفًا إنسانيًا تاريخيًا، حين حسم الخلاف بأن مسك زمام الحكم لتستتب الأمور ثم سلّم بعد عام السلطة إلى المدنيين. وسمعنا أخيرًا أن الأمور في السودان متّجهة إلى مثل هذا الإقدام، لكن الأوضاع تفجّرت بما أحزننا وآلم قلوبنا.

ألا يستطيع بيت البحتري الشاعر أن يناغي عواطف الفرقاء، فينقذوا بلدهم وشعبهم مما لا يُحمد عقباه؟! الا يستطيع نداء القرآن بقوله سبحانه: 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ أن يجد استجابة من أهلنا، وهم أهل القرآن في السودان؟!

نتقدم بالدعوة إلى الفرقاء أن يجتمعوا حول طاولة وحدة الأمة والتقريب، ونحن في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية على استعداد للمشاركة في هذه الطاولة لتقديم ما عندنا من تجارب الحوار والوئام إلى الأعزّة.

هذا ما نتوقع أن يسجّله السودانيون مرة أخرى في تاريخ الوفاق البشري وبالله التوفيق.

 

د.حميد شهرياري

الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية