الدكتور فؤاد إيزدي في حوار مع KHAMENEI.IR
أمريكا تتحمّل مسؤوليّة جرائم الإبادة للنّاس في غزّة
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ الحوار الذي أجراه مع أستاذ كليّة الدراسات العالميّة في جامعة طهران الدكتور فؤاد إيزدي حول ما إن كانت أمريكا تسيطر على الكيان الصهيوني أو العكس ومدى مسؤوليّة النظام الأمريكي في جرائم الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزّة، إضافة إلى شرح المسار الذي يؤدّي إلى زوال إسرائيل وانتهائها.
كيف ترى وتقيّم ماهيّة العلاقات بين الكيان الصهيوني وأمريكا؟
يُطرح هذا السؤال في بعض الأحيان: هل للكيان الصّهيوني سيطرةٌ على أمريكا أو نفوذٌ فيها أو العكس؟ الإجابة عن هذا السّؤال مهمّة في القضايا الأخيرة المتعلّقة بفلسطين.
أعتقد أنّ الفصل بين الكيان الصّهيوني والحكومة الأمريكية ليس دقيقاً للغاية. التّحليلُ الذي يفصل هذين الاثنين عن بعضهما بعضاً ليس صائباً. ما أفهمه أنّه لا يمكنُ الفصلُ بينَ الكيانِ الصّهيوني والنّظام الأمريكي في المبدأ، ما يعني مثلاً أنّ لدينا مجموعة من الشّخصيّات الصّهيونيّة بعضها داخل أمريكا، وبعضها داخل الأراضي المحتلة. كثيرون منهم ينشطون في بيئات الأعمال والتّجارة، ولهم نفوذٌ في الكيان الصّهيوني والنّظام الأمريكي بسبب بنيةِ هذا النّظام، وقد اكتسب السّياسيّون الأمريكيّون نفوذاً في أمريكا بأموال هؤلاء.
مَن هم في مجال قضايا غربي آسيا في مختلف المؤسّسات الأمريكية غالباً ما يُصطَفونَ وفق رأي ونفوذ هذه الفئة من الصّهاينة. هذا كان موجوداً بنمطٍ تقليديٍّ في العقود الماضية، وجرت ترقيته خلال إدارة بايدن، فكان في حكومته لأوّل مرّة وزير الخارجيّة، ورئيسُ مؤسّسات الاستخبارات الأمنيّة، ومدير وزارةِ الأمنِ الدّاخلي، ومدير مكتب بايدن، كلّهم صهاينة. لم نشهد هذا الوضع سابقاً، ولم يكن كذلك في إدارة ترامب ولا الحكومات السّابقة أيضاً. نيكسون على سبيل المثال عيّن كيسنجر وزيراً للخارجية، وكان صهيونياً، ولكن عند هذا الحدّ فقط.
رأيتم أنّ بلينكن عندما سافر إلى الأراضي المحتلّة قبلَ بضعة أيّام قال في المطار وأماكنَ أخرى إنّني يهودي، أي يرون أنفسهم صهاينة عمليّاً، وأولويّتهم الأولى هي الكيان الصّهيوني. ولا يمكن اختصار هذا الأمرِ بأنّ هذا وزير خارجية أمريكا. حالة الفصل هذه غير صحيحة لأنّ الّنقاش حول تأثير أميركا في الكيان أو تأثير الكيان في أميركا يصبح ذا معنى عندما يكونان منفصلين. ولكن عندما يكونُ هؤلاء الأشخاص أنفسهم والعوامل هي نفسها والهواجس أيضاً، حينئذٍ يكونُ معنى التّأثير غير كبير، وبالطّبع هذا لا يعني أنّ الخلاف غير موجود. فكما هناك خلافاتٍ داخل الحكومة الأمريكيّة وأيضاً داخل الكيان الصّهيوني، من الممكن أن تكون هناك خلافاتٌ جادّةٌ بين هؤلاءِ الّذين ينشطون في شؤون الكيان الصّهيوني في أمريكا، والعكس كذلك. وثمة خلاف في التّكتيكات وطبيعته صهيونيّة. الآن قد يكون لديهم انتقادات بشأن نتنياهو. يعتقد بعضهم أنّ بايدن مثلاً لديه خلافٌ مع نتنياهو، وبايدن مثلاً ينتقد نتنياهو. حقيقة الأمر أنْ نعم قد تكون هناك انتقادات وخلافات، ومع ذلك، انتقاده نتنياهو هو أنّ أسلوبه في الحكم سيجرّ الكيان إلى تحدّيات، أي بسبب اهتمامهِ بالكيان ومستقبله هناك تساؤلات وانتقادات تجاه نتنياهو وخلافات معه.
إذا وصفنا العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني بأنها علاقة «غير قابلة للكسر»، خاصة في المدة الأخيرة وبعد عملية «طوفان الأقصى»، ثم القصف الوحشي والإبادة الجماعية لأهل غزة على يد النظام الصهيوني، فما محددات هذه العلاقة؟
إذن، النّقطة الأولى أنّ الكيان الصّهيوني والنّظام الأمريكي مجموعة واحدة ولا يمكن فصلهما. ولهذا عندما حدثت هذه الهزيمة الكبيرة للكيان الصّهيوني، كانت أيضاً هزيمةً كبيرةً لأمريكا، لأنّهما واحد. هذا الضّعف العسكري أو الاستخباراتي الذي أصاب الكيان الصّهيوني هو أيضاً ضعفٌ عسكري واستخباراتي لأمريكا. لماذا؟ لأنّ الأسلحة والمعدّات في معظمها أمريكيّة وكذلك التّدريبات. هذا الفشلُ الاستخباراتي الصّهيوني هو أيضاً أميركي. وعندما تبيّن أنّ الكيان أصيبَ بهذا الفشل وبسبب قلق أمريكا تجاه الكيان تولّى الأمريكيّون الإدارة في غضون ساعاتٍ قليلة، وصارت القيادة المركزيّة الأمريكيّة (CENTCOM) هي المدير الميداني. لماذا؟ لأنه تبيّن أنّ لدى نتنياهو نقاط ضعفٍ مهمّة، والهيكل الإداري في الكيان الصّهيوني يعاني نقاطَ ضعفٍ حادّة، ولحقت به هزيمةٌ كبيرة، ولهذا دخل الأميركيّون أنفسهم إلى الميدان. سيستمرُّ هذا المسارُ بالأسلوب نفسه الّذي هو عليه الآن، ولهذا قال قائد الثّورة الإسلاميّة في تصريحاته إنّ على الأمريكيّين أن يتحمّلوا المسؤوليّة، لأن ما يحدث هو من ممارساتهم، وملفّ الأيّام العشرة الأخيرة كان يديره الأمريكيّون.
الآن يقاومُ الأميركيّون مشروعَ القرار الرّوسي الذي طالبَ بوقف إطلاق النّار، كما قاومته بريطانيا وفرنسا فلم تصوّتا. إنّ أحداث في الأيّام الماضية يجب أن تكون من فصولِ الدّراسات الأمريكيّة والكيان الصّهيوني. صارت العلاقة الوثيقة بين هذه المجموعات واضحة أكثر الآن.
تعلمونّ أن أكثر من 1100 طفلٍ استشهدوا في غزّة حتى ظهر يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر. استشهدوا بأسلحة وأمر وتصميم أميركيين ومن غرفة قيادة أميركيّة. الآن صار لحقوق الإنسان الأمريكية معنى جديد، كما أن عداء الأمريكيين، سواء من جانب ديموقراطيّيهم أو من جانب جمهوريّيهم، ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة يعود أيضاً إلى هذه الحقيقة. لا فصل في الأساس في مجال الأهداف والتكتيكات رغم أنّه قد ينشأ خلافات بين نتنياهو مثلاً وبعض المسؤولين الأميركيين، لكن لا خلاف بينهم حول النّطاق المستهدف.
إنّ هذا الضّعف الّذي نشاهدهُ الآن في الحكومة الأمريكيّة، سواء الضّعف الجسدي لبايدن، أو ضعف حكومة بايدن، أو الصّراع الذي تعيشه الحكومة الأمريكيّة حالياً في أوكرانيا وكذلك مع الصين، يجعل ظروف أمريكا أكثر تعقيداً. لقد دخلنا الآن أجواء الانتخابات في أمريكا. توجد انتخابات رئاسيّة في أمريكا العام المقبل. إنّ البنية السياسيّة الأميركيّة، التي تتأثّر بنفوذ وأموال نسبة الواحد في المئة من المجتمع، وهم الصّهاينة، لا تترك في نهاية المطاف أمام بايدن وحكومته خياراً سوى مواصلة ما يمارسونه حتى الآن.
أشار قائد الثورة الإسلاميّة في تصريحاته يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر إلى أنّ التّظاهرات الّتي تشهدها الدّول الغربيّة ومنها أمريكا فرصة عظيمة للجمهورية الإسلاميّة التي أعلنها كبار مسؤوليها بمن في ذلك قائدها دعم المقاومة. تقف الجمهوريّة الإسلاميّة في مجال العتاد مع المقاومة كلياً ونتائج هذا الدّعم واضحة. لكن استخدام القوّة على المستوى الصّلب لا يكفي للمواجهة مع الكيان الصهيوني، فلا بدّ إلى جانب ذلك من القوّة على مستوى الحرب النّاعمة. الممارسات التي يرتكبها الكيان الصّهيوني في غزّة تفضح طبيعته فهو القاتل للأطفال. بذلك يغدو دعم الغرب للكيان أمراً صعباً لأنّ الغربيّين لديهم ادّعاء حقوق الإنسان في دعايتهم، ولديهم نظرة تجاه الرّأي العام في بلدانهم والعالم. كما تشكّلت تيّارات واسعة في ظلّ حركة المقاطعة (BDS) وحقّقت بعض التّبيين. الآن في استطلاعات الرّأي غالباً ما ينتقد الشّباب في الدول الغربيّة سياسات الدّعم غير المشروط الّذي تقدّمه الحكومات الغربيّة إلى الكيان الصّهيوني، أي إنّ فئة الشّباب الّتي استيقظت في هذه المناطق، ولكونها الأكثر مقدرةً في الوصول إلى مصادر المعلومات لأسباب عدّة، قدرتها في هذه المجالات أكبر.
يبدو أنّ تدمير الكيان الصّهيوني له في نهاية المطافِ جناحان: القوّة الصّلبة والنّاعمة. صارت حقيقة أنّ الكيان الصّهيوني نظام فصل عنصري واضحة لكثير من النّاس، وثمّة تغيير ديموغرافي في الدّول الغربية، بما في ذلك أمريكا، أي تصير هذه البلدان ملوّنة عرقيّاً تدريجياً. استناداً إلى مكتب الإحصاء الأمريكي ستكون غالبية الشّعب الأمريكي من ذوي البشرة الملوّنة بحلول 2045، أي خلال 22 عاماً. في الوقت الحالي غالبية الشّباب الّذين تقلّ أعمارهم عن 20 عاماً في أمريكا هم من ذوي البشرة الملوّنة، وغالبية الأطفال المولودين حديثاً في أمريكا كذلك. حينئذٍ لن يكون من الممكن دعم حكومة فصل عنصري من أناس ذوي بشرة ملوّنة.
إنّ انخفاض دعم الدّول الغربيّة للكيان الصّهيوني، حتى لو كان 10% أو 20% أو 30%، سيكون له تأثير في مستقبل هذا الكيان. بالطّبع، لا يُتوقّع أن تتوقّف الأنظمة الغربيّة عن دعم الكيان الصّهيوني. لا، هذا مستمرّ لأسباب عدّة. لكن، هناك إمكانيّة لانخفاض الدّعم. الآن في أمريكا على سبيل المثال لدينا الجناح المعارض في الحزب الديموقراطي الذي ينتقد الكيان الصّهيوني. هذه الانتقادات آخذة في الازدياد. لم نشهد هذا الوضع قبل خمس أو عشر في ما يتعلّق بوضع دعم الكيان الصّهيوني، ولكنّنا نراه الآن بسبب التغيّرات الديمغرافية. من هذا المنطلق، نرى - كما جاء في تصريحات الإمام الخامنئي - أنّ رسالة الشّعب الفلسطيني تصل خصوصاً إلى جيل الشّباب عبر المظاهرات الّتي تشهدها الدول الغربية، وهذه القضية تحتاج إلى اهتمامٍ خاصّ.