أعراب الأمة بين حبّ الحياة وضرورات الجهاد
إن الأمة اليوم بكل أديانها، بعربها وأعرابها، بعوامها وأشرافها، بليل علمائها ونهار حكامها ممتحنةٌ بخيار الجهاد في فلسطين، فلم يعد مفيدًا للأمة أمام الله أن تخلق الأعذار أو أن تتذّرع بخوف الموت أمام الأقدار.
ويتساءل الكثيرون عن ما تعنيه مفردة الأعراب، فتنتابهم قشعريرة اللبس بين أن يكونوا عرباً، أو أعراباً، وتحدوهم الآمال أن يتمايزوا لنيل فخر الأحساب والأنساب، وإلا كانوا أغراباً، فلا تطويهم لعنات التاريخ، ولا تكتنفهم مساوىء الزمان بل تبقى لهم إثارة الذكر زيفاً على أمجادهم، وتعميةً عن حقيقة مراداتهم في الدين والدنيا!.
فجماعة الأعراب غالباً ما يتسوَّرون المحراب، ويدّعون الانتساب إلى الأديان، ثم تكون لهم مكاسب الدين والدنيا دون أن يبذلوا في الله جهداً أو أن يعطوا من أنفسهم وعداً! فهم بين مدّعٍ للدين ادّعاءًا، وبين مَن يجود بنفسه طيباً وجهاداً، ويتخذ ما ينفق قربات عند الله إيماناً واحتساباً.
كما قال تعالى:"وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ". أما أعراب المال والسلطة ومتاع الحياة الدنيا، فهم الذين تنبذهم الآيات، وترديهم الشهوات، فيختارون إسلام الدين من دون يقين، وينسبون أنفسهم إلى الإيمان وما هم بمؤمنين!
كما قال تعالى:"قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ…".هذا هو مفاد الآيات ودلالات آيات الأعراب أنهم قومٌ انقسموا على أنفسهم، واستوى الكثيرون منهم على حب الدنيا، فكرهوا الجهاد، وعاثوا في الأرض الفساد!؟
إن حال أمتنا اليوم في بلاد العرب والمسلمين يستحضر مشهدية هذا الانقسام، ويروي لنا سرديات التاريخ وتجارب الأمم والأقوام، فيعطينا من امتحان فلسطين أنموذجاً للحياة والجهاد، ويجعلنا أمام ضيق الخيارات بين أن نكون عرباً أحراراً، أو أعراباً نلهو عن أمر ربنا تعمداً وإصراراً، ونتخذ منه للدنيا شعاراً ودثاراً!
لقد ضاقت الخيارات، واستوى الدين على حق فلسطين، فهل نختار الله في قدسها وأهلها أو نشهد على أنفسنا بغربة الدين وموت الضمير! وندّعي أن ضرورات الحياة أقوى من كل إيمان ويقين؟ فإذا كان الله تعالى قد وضع عباده أمام خيارين بين أن يختاروا الدنيا بكل ما تعنيه من مال وولد وسلطة، وبين خيار الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله؛ فأيُ خيار يأخذ به الناس حين تضطرهم الخطوب، وتحشرهم الحياة أمام مظلومية الناس وإحقاق الحقوق؟
وهل ما يجري في فلسطين اليوم لا يحتّم ضرورة الجهاد أو أن الأمة هي في منأى عن أن تكون أمام الخيار، فتشتمل شملة الجنين، وتنام عن أمر ربها في فلسطين؟ فالأمة اليوم بكل أديانها، بعربها وأعرابها، بعوامها وأشرافها، بليل علمائها ونهار حكامها ممتحنةٌ بخيار الجهاد في فلسطين، فلم يعد مفيدًا للأمة أمام الله أن تخلق الأعذار أو أن تتذّرع بخوف الموت أمام الأقدار فلا التطبيع مع العدو قدراً، ولا تهويد القدس وفلسطين يزوي عن الأعراب خطراً، فما بال الأعراب يختارون غضب الله تعالى على حبه، ويخالفون عن أمر الله بالتقرب إلى أعدائه؟
ألم يسمع الأعراب بقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.."، فماذا عسانا نقول لمن هجر القرآن وفلسطين معاً، واختار ولاية الذين كفروا وقتلوا واغتصبوا الأرض، واتخذ من المضلّين عضُدًا؟
وهنا نسأل مَنْ من الأعراب يجهل حقيقة أن الجهاد في سبيل الله تعالى هو أحب إلى الله من كل ما انطوت عليه هذه الدنيا من متاع وحطام،كما قال تعالى:"قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ…".
فأين هي الأمة من هذا الخيار في لحظة استواء فلسطين على حر النار، قتلاً وتهجيراً ،وتدنيساً للمقدسات، وهتكاً للحرمات؟ولماذا لا يتدبّر أعراب الأمة بمفاد هذه الآيات،ليعلموا أن امتحان فلسطين اليوم لم ولن يترك خياراً لأحد أن يتخذ من الدنيا ملاذاً دون أن يجاهد في سبيل الله تعالى والمستضعفين في الأرض، وإلا انطوى وجود الأمة بكل أعرابها على محذور الترّبص، وعاقبة الفسق عن أمر الله تعالى!؟
وقد علمتم أن شعب فلسطين غير متروك لقدره، بل مأخوذ بجهاده وحبه لله ورسوله، وكلنا يسمع بدعاء نبي الله نوح(ع) على لسانه، فيقول:"فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ .."، فحق له بصدق دعائه أن يلتقي الماء على أمر قد قُدر..!؟
إن حب الله تعالى في فلسطين هو الخيار الأخير والوحيد لأمة العرب والمسلمين،ولكل مَن آمن بالله رب العالمين، فإذا لم يُنتصر لفلسطين، ويخرج الأعراب من هوان التطبيع، وملاذات الدنيا وخطوات الشياطين،فأبشروا بالعذاب الأليم،يوم يقال:"وامتازوا اليوم أيها المجرمون..".
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بقلم رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات في لبنان "أ.د فرح موسى"
المصدر: وكالة الأنباء القرآنية الدولية