ـ(66)ـ
إنّ هذا الإسهام من القضاء الإسلامي قد برز على ساحة الواقع ولكن تجليته تحتاج إلى دراسة موسعة بأمانة وحياد وموضوعية تستلزمها المرحلة الراهنة التي هي أوفق ما تكون مجدية ومنتجة في سبيل دراسة المنهج التقريبي الذي قدمه القضاء الإسلامي خلال التجربة التي عاشها من بعد عصر التدوين الفقهي الذي نوهنا عنه في المبحث الأول.
ولا أدل على مبررات دراسة هذا الوجه التقريبي من إقرار كافة الاتجاهات المذهبية للأسلوب الإجرائي الذي لا يزال معمولاً به في قوانين المرافعات المدنية والمحاكمات الجزائية خاصة في بلدان العالم الإسلامي "على الأقل في متونها وبعض تطبيقاتها" كما هو المتبع في أساليب ونظم الإجراءات الواجب اتخاذها عند الالتجاء إلى القضاء، ووسائل الدفاع، وطرق الإثبات، وكيفية الفصل في المنازعات، والقواعد التي ترتب وتنظم السلطة القضائية، وتوزيع الاختصاص بين جهات القضاء المختلفة، وكذلك الإجماع على قواعد إجراءات التقاضي وقد تضمنت هذه القواعد والإجراءات ما يغني مسيرة التقريب بين المذاهب بحكم ما يمتاز به التشريع الإسلامي أساس القضاء من هدف إشاعة الطمأنينة في نفوس أصحاب الحقوق، ويعزز ثقتهم بالجهاز القضائي ويشعرهم بجدوى اللجوء إليه.
وهناك نتائج مهمة أخرى يمكن أن تستخلص من خلال القراءة الواعية لنظرية الدعوى وإجراءات التقاضي في ضوء القضاء الإسلامي.
وخشية من الإطالة فقد اقتصر هذا البحث على ما توصلنا إليه من نتائجه المعروضة سلفا، في الوقت الذي نعلن حاجة الدارسين إلى التقصي التام والإحاطة الموسوعية بجزئيات هذا الموضوع وفق منهج علمي رصين ملتزم عسى أن يوفق الله العاملين لما يحبه، وأن يسدد خطانا على نهج ما يرضاه، وأن يجمع كلمة الأمة الإسلاميّة على خير حال إنه ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.