ـ(55)ـ
والتعصب.
وهل يمكن لأمة أن تبلغ رشدها الفكري إذا أوصدت باب حرية الفكر وسدت منافذ الحوار وجمدت الطاقات المخزونة في العقول البشرية؟
والفرق كبير بين الاقتناع بالفكرة وتبني الرأي وبين التعصب لهما، بين قبول العقيدة لأن الدليل ساقه إليها وبين التقليد الأعمى، بين الحوار من أجل الوصول إلى الصواب وبين الجدال بهدف إفحام الآخرين وتبكيتهم وإسقاطهم.
والنتيجة أنا لا نرى أن من الشروط العملية للوحدة منع أربا الفرق والمذاهب من الدعوة والتبليغ، بل ندعو لنبذ العصبية، والتجرد عن النظرة العدائية تجاه بعضنا البعض، ثم ليعرض كلّ إنسان فكره وعقيدته، وليكن ميزان العقل هو الأساس في قبول ذلك أو رده.
لقد اتبع هذا الأسلوب أكبر العلماء من مختلف المذاهب لم يحل الاختلاف الفكري دون اجتماعهم وتحاورهم وأخذ بعضهم عن بعض وإذا كان الاجتهاد قد قاد بعضهم إلى رأي، فانه قد ساق الآخرين إلى رأي آخر، وما دام الدليل هو المحكم فالأمر في إطاره الصحيح وطريقه السليم، نعم عندما يحاول أحد أن يفرض رأيه فرضا، ويقبل الدليل والبرهان إذا كان يؤيد فكرته ويرفضهما إذا لم يكونا كذلك فعندئذ يمكن أن يقال إنّ هذا النحو من الصراع ـ الذي قد يسمى فكريا وليس كذلك ـ أول الطريق نحو التشتت والفرقة وليس الإعلان بالرأي والدعوة إليه هو السبب في ذلك، وإنّما المشكلة مشكلة أولئك الّذين لا يتحملون الحوار الفكري القائم على القواعد الاستدلالية، ويتأذون ممن لا يقبل آراءهم أو ينقدها.