ـ(54)ـ
فالكثرة بما هي كثرة ليست غاية في نظر الإسلام وإنّما المطلوب هو التزام سبيل الله والاجتماع على هذا السبيل والاتفاق عليه، لا مجرد الاتفاق والاجتماع كيفما كان وكيفما اتفق، وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم مراد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجماعة في الأحاديث المروية عنه في النهي عن مفارقة الجماعة، فأنه ليس المقصود مطلق الجماعة ولو كانوا جماعة الباطل وأعداء الدين، ولذا كان التعبير الوارد في بعض النصوص "جماعة المسلمين" فالحق هو الملاك، والإسلام هو الغاية، والاجتماع عليه يكسبه قوة ومنعة ويحقق أهدافه.
الوحدة والتبليغ للمذهب:
كلّ فرد منا يحمل قناعات ويتبنى أراء، ويحب أن يعرض هذه القناعات والآراء على الآخرين إما باعتبار أنها من نتاجات فكره أو لأنها هي الحق والصواب بنظره، وإذا توسعنا قليلاً نجد أن أصحاب المدارس الفكرية كذلك يحبون عرض مدرستهم ودعمها بالأدلة والبراهين والدفاع عنها، وكذلك الأمر على مستوى المذاهب والفرق الكبيرة، فقد يتوهم البعض أن التبليغ والدعوة لمذهب معين ينافي الوحدة والاجتماع ويؤدي إلى الفرقة والخلاف.
والحقيقة أن التبليغ والدعوة بحد ذاتهما لا يؤديان إلى ذلك ما لم يرافقهما حالة من التعصب، وحالة من الجمود الفكري.
وقد قيل إنّ: "الصراع الفكري دليل صحة ودليل يقظة مالم يؤد إلى انشقاق في صفوف الأمة ومواجهة عدائية"،(1) وهذا مما لا يحصل عادة في الأطر الصحيحة لعرض الأفكار والآراء وفي أجواء الحوار الفكري الخالص عن شوائب الحقد
______________________
1 ـ في سبيل الوحدة الإسلاميّة ـ 59.