ـ(39)ـ
الدنيا تلبية لنداء ربهم، وليؤدوا مناسكهم في عبادة جماعية تضم المسلمين على اختلاف لغاتهم وألوانهم وأجناسهم وأحوالهم، في قلوب خاشعة خاضعة لم يوحدها سوى الإسلام ولم يجمع بينها إلاّ التقوى.
هذه العبادات اليومية والموسمية التي شرعها الدين الإسلامي وغيرها من العبادات والأحكام الأخرى تكشف عن اهتمام الشريعة المقدسة ببناء مجتمع متحد متعاون متكافل كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص ولقد أكد الرسول (صلى الله عليه وآله) على أهمية الألفة والاتحاد منذ اللحظات الأولى لدخول المدينة المنورة، ونفذ ذلك عمليا في حركة التآخي الفريدة فآخى بين المهاجرين والأنصار وبين الأنصار أنفسهم والمهاجرين أنفسهم، فقد كان المجتمع الإسلامي آنذاك في مستهل تشكيله وفي بداية نشوئه، وهو مقبل على امتحان عسير تفرضه طبيعة الدين الجديد والوضع السياسي المحيط بالمدينة المنورة، فهو أحوج ما يكون إلى الاتحاد ورص الصفوف وإزالة جميع عوامل الاختلاف والتفرق ليتمكن ـ على ضعف إمكاناته ـ من الصمود في وجه الأعاصير التي توشك أن تعصف من مختلف الاتجاهات.
لقد قام (صلى الله عليه وآله) بالمؤاخاة بين المسلمين ليجعل من الإسلام محور وحدتهم وأساس ارتباطهم وقطب حركتهم، وليجعل هذه القرابة الجديدة أقوى من قرابة الرحم والنسب وليجعل هذه الرابطة أوثق من رابطة القبيلة والوطن.
لقد قضى بذلك (صلى الله عليه وآله) على العصبيات الجاهلية والنزعات المختلفة التي كانت تمزق المجتمع آنذاك وأحل محلها حالة من الألفة والأخوة لم يذق ذلك المجتمع طعمه من قبل، فصنع من ذلك المجتمع الناشئ الصغير قوة كبرى دافعت عن الإسلام واحتضنته بقوة وأفشلت كلّ المؤامرات التي استهدفت القضاء عليه، ثم حملت رايته المنتصرة لترفعها فوق ربوع الجزيرة العربية في مدة يسيرة ثم