ـ(177)ـ
أطروحات الوحدة والتقريب:
اختلفت الاطروحات عن الوحدة الإسلاميّة، فهناك "الأطروحة المثالية" ـ على حد قول السيد محمّد حسين فضل الله ـ التي تواجه المشكلة بالروح الغيبية الضبابية التي تحاول إبعاد المشاكل الحية عن تفكير الأمة بالإيحاء بأنه لا خلافات صعبة بين المسلمين، وأن علينا تناسي القضايا الهامشية، والوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص في مواجهة الأعداء وهكذا يغرق الإنسان المسلم فيما يشبه الأحلام في أجواء عاطفية فيستسلم لهذا الخدر ثم يرجع إلى الواقع في داخل حياته اليومية، فيجد إمامه أكثر من مشكلة حادة، وأكثر من خلاف متحرك في عمق ممارساته وعلاقاته.
وهناك "الأطروحة الواقعية" التي تؤكد على مواطن اللقاء، كما تؤكد على مواطن الخلاف، ولكنها لا تضع مواطن الخلاف في الجانب الذاتي الشعوري للأمة، بل تضعها في الجانب الفكري من نشاطها، وتوحي بأن مثل هذه الخلافات ليست مقصورة على الفئات الكبيرة من المسلمين فيما بينها، بل هي موجودة في داخل كلّ طائفة أو مذهب ـ في أكثر من جانب فقهي أو كلامي ـ ثم تثير أما المسلمين قواعد الحوار القرآني الذي يريد للأمة إنّ تناقش قضاياها في الداخل وفي الخارج من موقع التفكير الموضوعي الهادي الهادف إلى معرفة الحقيقة من أقرب طريق بالحجة والبرهان الواضح، وتقودهم إلى الأسلوب الأخلاقي في الصراع، الذي لا يستخدم كلمات السباب والشتائم في حركة الخلاف، بل يتحرك من موقع الجدال بالتي هي أحسن، واختيار الكلمة الأحسن والأسلوب الأحسن الذي يدفع بالأعداء إلى أن يتحولوا إلى أصدقاء.
وقد عاشت تجارب الوحدة ـ في أكثر من أسلوب ـ في التجارب الثقافية على التأكيد على الآفاق الوحدوية في الثقافة الإسلاميّة، كما عملت على إرجاع