ـ(63)ـ
أهل النظر على أن أصل اللغة إنّما هو تواضع، واصطلاح لا وحي، وتوقيف"(1).
ثم قال: ثم لنعد فلنقل في الاعتلال لمن قال بأن اللغة لا تكون وحياً، وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لابد فيه من المواضعة، قالوا: وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعداً، فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظاً"(2).
وقال فكأنهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأوموا إليه، وقالوا: إنسان، إنسان، إنسان، فأي وقت سمع هذا اللفظ علم أن المرابه هذا الضرب من المخلوق، وإن أرادوا سمة عينه، أو يده، أشاروا إلى ذلك فقالوا: يد، عين، رأس، قدم، فمتى سمعت اللفظة من هذا عرف معناها، وهلم جرا"(3).
وكأن في عبارته هذه الماح لما ذهب إليه السيد الشهيد الصدر في تفسير العلقة الوضعية بين اللفظ، والمعنى بنظرية القرن الاكيد الذي ينشأ إما ظرف كيفي خاص أو ظرف كمي أي حالات متكررة من القرن بين اللفظ، والمعنى(4).
وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنّما هو من الأصوات، والمسموعات، كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي ونحو ذلك، ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد، وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل"(5).
وبمراجعة الكتب الأصولية بحسب تسلسلها التاريخي والتدويني نلاحظ أن مسألة الوضع لم تكن تبحث في هذه الكتب، فبمراجعة كتاب الذريعة للسيد
______________________
1 ـ الخصائص ـ ابن جني ـ ص 40.
2 ـ م.ن. ص 44.
3 ـ م.ن.ص 44.
4 ـ الحلقة الأولى من دروس في علم الأصول ـ ص 97.
5 ـ الخصائص ـ ص 47.