ـ(59)ـ
معقول تتضح من خلاله حقيقة هذه العلاقة الأكيدة، والتي لا تنفك بين اللفظ، والمعنى.
لذلك وجدنا المدارس الأصولية المختلفة تعقد بحثاً بعنوان "الوضع" تثير فيه مجموعة كبيرة من الإشكاليات التي تمثل حلولها، والإجابات عليها ثروة علمية ضخمة في تفسير حقيقة الوضع، وفي بيان تقسيماته، وأقسامه، وفي البحث عن الواضع، وما إلى ذلك من البحوث(1) التي لاشك في أنها تثري الذهن البشري، وتزوده بمعلومات مهمة في هذا المجال.
والأمر الواضح الذي لا غموض فيه هو أن هذا المبحث في أساسه مبحث من مباحث علم اللغة العام، أو من مباحث فقه اللغة،(2) أي لغة كانت، ذلك أن كلّ لغة من اللغات تتقوم بعلاقات وروابط دلالية بين الألفاظ، والمعاني، ويعتبر البحث حول تفسير هذه العلاقة، وهو بحث الوضع من مباحث علم اللغة(3).
وهناك عدة إشكاليات تستثير الباحث تجاه هذه الثنائية ـ أعني ثنائية اللفظ والمعنى ـ على مستوى البحث اللغوي، وكذلك على مستوى البحث الأصولي أيضاً من قبيل البحث عن الداعي الذي دعا اللغويين للاهتمام بهذا البحث، ومحاولة تفسيره، وما هي الثمرة العلمية أو العملية التي يمكن اجتناؤها منه، كما يرد نفس السؤال على مستوى البحث الأصولي، ومن قبيل أن هذا البحث هل يمكن أن يتعنون بعنوان المسألة الأصولية بلحاظ من اللحاظات ؟ أم أنّه إلى البحث الفلسفي أقرب منه إلى أي بحث آخر على أساس أن الفلسفة هي التي تبحث في
______________________
1 ـ المصدرين المتقدمين.
2 ـ يراجع في ذلك فقه اللغة ـ د. صبحي الصالح ـ ص 141 ـ الاقتراح في أصول النحو ـ السيوطي ـ ص 33 ـ الخصائص ـ ابن جني ـ ح 1 ص 40.
3 ـ لأنه من الواضح انه بحث دلالي وهو متعلق باللغة وإذا بحث في علم آخر فلحاجة ذلك العلم إليه كما سيأتي.