ـ(38)ـ
نموذج من الحياد والوقوف إلى جانب القول النادر:
غسل الرجلين أو مسحها: نقل ابن رشد فيه ثلاثة أقوال: وجوب الغسل، ووجوب المسح، والتخيير بينهما، وذكر استدلال الجمهور القائلين بالغسل بقراءة نصب "أرجلكم" في آية الوضوء، عطفاً على "وجوهكم" وأنهم أولو القراءة بالخفض بأنه عطف على اللفظ، أي لفظ "رؤوسكم" لا على المعنى، ثم قال: "وقد رجح الجمهور قراءتهم بقوله (عليه السلام) في قوم لم يستوفوا غسل أقدامهم في الوضوء: "ويل للأعقاب من النار"، قالوا: فهذا يدل على أن الغسل هو الفرض، لأن الواجب هو الذي يتعلق بتركه العقاب ثم قال: وهذا ليس فيه حجة، لأنه إنّما وقع الوعيد على أنهم تركوا أعقابهم، دون غسل ولا شك أن من شرع في الغسل ففرضه الغسل في جميع القدم، كما ان من شرع في المسح ففرضه المسح عند من لا يخير بين الأمرين أي الغسل والمسح، وهو قول ثالث ذكره وعزاه إلى الطبري ـ (224 ـ310هـ) وداود، ثم أيد هذا الاحتمال في معنى الحديث بما خرجه مسلم أنّه ـ أي الراوي ـ قال: فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى (عليه السلام): "ويل للأعقاب من النار"(1) ثم قال ابن رشد "وهذا الأثر وإن كانت العادة قد جرت بالاحتجاج به في منع المسح فهو أدل على جوازه منه على منعه، لأن الوعيد إنّما تعلق فيه بترك التعميم لا بنوع الطهارة، بل سكت عن نوعها، وذلك دليل على جوازها ـ ثم قال ـ: وجواز المسح هو أيضاً مروي عن بعض الصحابة والتابعين ولكن من طريق المعنى فالغسل أشد مناسبة للقدمين من المسح، كما أن المسح أشد مناسبة للرأس من الغسل، إذ كانت القدمان لا ينقى دنسهما غالباً إلاّ بالغسل وينقى دنس الرأس
______________________
1 ـ ن.م ـ ص 15.