ـ(209)ـ
الاقتصار على الأخذ بالرأي الراجح في مذهب معين من مذاهب السنة الأربعة وأنكروا على ولي الأمر حقه في اختيار أنسب الآراء الفقهية وأصلحها لروح العصر دون التقيد بمذهب معين، ولذلك انتهوا إلى عدم الحاجة إلى تقنين أحكام الشريعة والاكتفاء في تطبيقها بنص واحد يلزم القاضي بالحكم بأحكام الشريعة الإسلاميّة.
وهذا الرأي يتجاهل واقع الحياة المعاصرة وينكر سنة التطور فقفل باب الاجتهاد هو الذي خلع على آراء الفقهاء السابقين صفة الإلزام فأصبحت هي المصدر الرسمي للقانون، وهو الذي خلق التعصب المذهبي وأدى إلى جمود الملكات الفقهية والالتزام بالحكم بأرجح الآراء في مذهب معين أدى إلى تعدد القوانين الواجبة التطبيق في البلد الواحد تبعا لتعدد مذاهب القضاة.
وقد عانى العالم الإسلامي من هذا النظام السيء الكثير ولذلك تجاوزه منذ نهاية القرن الماضي وبداية القرن العشرين أخذا بالرأي القائل بجواز أن يتبع المقلد أيسر الآراء وأقربها لتحقيق الصالح العام دون التقيد برأي مذهب بعينه وهذا الرأي هو ما يجري عليه العمل في كلّ البلاد الإسلاميّة فيما أصدرته من تشريعات مأخوذة من الشريعة الإسلاميّة أما انكارهم حق ولي الأمر في إلزام الناس برأي ففهي معين ففيه نظر فالرأي الذي ساد لدى جمهور الفقهاء وجرى عليه العمل وخاصة بعد قفل باب الاجتهاد سلم لولي الأمر بهذا الحق في المسائل الاجتهادية اعمالا لقوله تعالى "يا أيها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" وانتهى هذا الرأي إلى أن من حق ولي الأمر أن يأمر بالمندوب أو المباح إن كانت فيه مصلحة شرعية للناس فيصبح عندئذ واجبا وأن يمنع المباح الذي تنتج عنه مفسدة طالما وجدت المفسدة بسببه والمصلحة في خلافه، وهذا الرأي هو الذي جرى عليه العمل في الدولة العثمانية وفي الدول الإسلاميّة في أيامنا هذه وهو ما عبرت عنه مجلة الأحكام العدلية بقولها: