ـ(124)ـ
لم يعتنوا بتهذيب المسائل والاجتهاد وإيضاح طرق النظر بخلاف من بعدهم.
وقال الشيخ تقي الدين بن الصلاح: إن التقليد يتعين لمذاهب الأئمة الأربعة دون غيرهم، لأن مذاهبهم قد انتشرت وانبسطت، حتّى ظهر فيها تقييد مطلقها، وتخصيص عامها، وشروط فروعها.
فإذا أطلقوا حكماً في موضع وجد مكملاً في موضع آخر، وأما غيرهم فتنتقل عنه الفتاوى مجردة، فلعل لها مكملاً أو مقيدا أو مخصصاً، لو انضبط كلام قائله لظهر، فيصير في تقليده على غير ثقة، بخلاف هؤلاء الأربعة)(1).
وذكر البرزلي أن ابن العربي سأل الغزالي عمن قلد الشافعي مثلا، وكان مذهبه مخالفاً لأحد الخلفاء الأربعة أو غيرهم من الصحابة، فهل لـه اتباع الصحابة لأنهم أبعد عن الخطأ؟.
ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (اقتدوا بالذين من بعدي).
فأجاب: إنه يجب عليه أن يظن بالشافعي أنّه لم يخالف الصحابي الجليل إلاّ لدليل أقوى من مذهب الصحابي، وإن لم يظن ذلك، فقد نسب الشافعي للجهل بمقام الصحابة وهو محال.
وهذا سبب ترجيح مذهب المتأخرين على المتقدمين، الّذين سمعوا الأحاديث آحاداً وتفرقوا في البلاد، فاختلفت فتاويهم وأقضيتهم في البلاد، وربما بلغتهم الأحاديث فوقفوا عما أفتوا به وحكموا(2).
وأقوال أئمة هذا الاتجاه تحمل في طياتها فروقا.
فأما أبو حنيفة: فقد جوز تقليد الأئمة لكل إنسان، ولم يشترط أئمة بعينهم، وافترض أن كل مجتهد مصيب.
______________________
1 ـ شرح الحطاب علي خليل 1: 30.
2 ـ الحطاب علي خليل 1: 31.