ـ(52)ـ
فإنه من الملاحظ أن المفاهيم الحقوقية الخاصة والعامة بالنحو الذي جاء في التعريف المتقدم تبدلت عن ماهيتها الثابتة بشكل مستمر، تبعا لضرورة إرادة المجتمع وفرض حفظ النظام العام فيه، ولأجل ذلك فإن الملاحظ اليوم أن هناك مفاهيم جديدة أصبحت تحكم بين علاقات القوى العامة في المجتمع وبين العلاقات الخاصة بالأفراد، بحيث أنّه يصعب تعيين القواعد السائدة فيما بينهم من جهة كونها مشمولة للقواعد الحقوقية العامة، أم أنها مشمولة للقواعد الحقوقية الخاصة وأحيانا لا يمكن تمييزها عن بعضها البعض.
والمعروف أنّه عندما يراد تمييز الحقوق العامة عن الحقوق الخاصة أن يقال : أن القواعد الحقوقية العامة فيها جانب أمري بحيث أن الأفراد لا يمكنهم أن يخلصوا منها بالتراضي والاتفاق فيما بينهم، في الوقت الذي تكون فيه الحقوق الخاصة مبنية على إرادة الأفراد، بحيث أنّه عندما يريد الطرفان أن ينقلا عهدا ما أو يسقطا حقا ما، يمكنهم ذلك بالتراضي والاتفاق ومن جانب واحد.
وقد قالوا بالإضافة إلى ذلك أن الهدف في الحقوق العامة هو حماية مصالح المجتمع، وأن الهدف من الحقوق الخاصة تأمين مصالح الأفراد.
والقدر المتيقن مما مضى هو أن المفاهيم الحقوقية الخاصة والعامة ليست ثابتة بل هي قابلة للتغيير كما هو المعروف من الحقوق الحاكمة على علاقات العامل ورب العمل، فأنه في الماضي كما كانت تتطلبه الظروف والأحوال في ذلك الزمن لم يكن مرتبطا بالأمور العامة للمجتمع ولا داخلا تحت إرادة الدولة العامة، بل كان يعتبر حقا فرديا خالصا ومن مصاديق النظم العرفانية غير العامة، وفي إطار التعاقد الخاص ويتحقق عنوانه الحقوقي الذي هو عقد الإيجار.
فإن العامل ورب العمل هما طرفا التعاقد الخاص ويجريانه بحرية تامة وبلا تدخل إرادة المجتمع العامة في ظروف التعاقد الخاص للعمل ولا في مدته وأجرته، فهما ينظمان علاقتهما الحقوقية كما يشاءان، ولكن بمرور الزمن وبروز أهمية وضرورة تدخل الدولة لتأمين مصالح وحقوق العمال، حيث أن الدول أخطرت للتدخل على اثر وجود التحولات الاجتماعية في اقتصاد المجتمع، وتشكيل ذلك